أمر آخر متعلق بما تقدم من تقسيم الألفاظ في المجموعات الثلاث، وهو أن الدقة المتناهية في مثل هذه الحال غير ممكنة في نظري، فبعض الألفاظ يمكن وضعها في مجموعتين، وبعضها لا يمكن فيه ذلك، فمثلاً قوله: " فيه نظر في حديثه " جعلتها في المجموعة الأولى، مع أنه يمكن أن توضع في الثانية، فشطرها الأول " فيه نظر " يعني أن النظر في الراوي نفسه ولذا جعلتها في المجموعة الأولى، وشطرها الثاني " في حديثه " يعني أن النظر في حديثه، والأمر سهل فالدراسة ستشملهما على الحالين.
نتائج دراسة المجموعة الأولى:
هذه المجموعة هي أكثر التراجم عدداً، ولم أجد فيها غير ترجمة واحدة لا يمكن أن يعني البخاري صاحبها بذلك القول، وصاحب هذه الترجمة صحابي، وسنبدأ بذكره أولاً ثم ننظر في بقية تراجم المجموعة بعد ذلك.
قال البخاري في التاريخ الكبير ج4/ص319
صعصعة بن ناجية المجاشعي جد الفرزدق قال لي العلاء بن الفضل: حدثني عباد بن كسيب حدثني طفيل بن عمرو عن صعصعة بن ناجية المجاشعي قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فعرض علي الإسلام فأسلمت وعلمني آياً من القرآن، قلت: يا رسول الله إني عملت أعمالاً في الجاهلية فهل لي فيها من أجر؟ قال: لك أجره إذ منّ الله عليك بالإسلام " فيه نظر.
هذا سياق البخاري بلفظه، وبالنظر في الراوي وفي الحديث وفي رجال الإسناد يمكننا الجزم بأن البخاري لا يعني صعصعة بن ناجية الصحابي الجليل بهذا اللفظ، والظاهر أنه يعني حديثه فقد ساق عبارته تلك عقب الحديث مباشرة وليس عقب نسب صعصعة، هذه واحدة.
والثانية: طفيل بن عمرو الراوي عن صعصعة قال عنه البخاري في تأريخه 3/ 364: طفيل عن صعصعة بن ناجية، روى عباد بن كسيب، قال محمد: لم يصح حديثه، انتهى. وقال العقيلي في ترجمته: لا يتابع على حديثه ولا يعرف إلا به، وقال عنه الذهبي: لا يعرف. (ونسب المعلمي إلى أبي حاتم قوله في نسبه: بصري، وإلى الذهبي في الميزان: طفيل بن عمرو التميمي).
والثالثة: قال البخاري في ترجمة عباد ين كسيب (6/ 40): سمع طفيل بن عمرو، روى عنه العلاء بن الفضل، لا يصح.
وإذن فالبخاري لا يعني صاحب الترجمة بهذه اللفظة بل يعني – والله أعلم – الحديث الوارد فيها، وقد أخرجه الحاكم في المستدرك مطولاً من طريق العلاء.
بعد هذا ننظر في التراجم التي عقب عليها البخاري بقوله " فيه نظر " وعددها إحدى وتسعون ترجمة - ثم بعد ذلك ننظر في العبارات الملحقة بها - ومن هؤلاء من ذكره الحافظ في التقريب، لأنه ممن أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أو أحدهم، ومنهم من لم يذكره، وعدد الذين ذكرهم في التقريب، وحكم عليهم فيه: ثمانية وخمسون راوياً، وهذا تفصيل كلامة عليهم:
حكم على أربعين منهم بالضعف، سواء كان ضعفهم شديداً أو يسيراً، فمنهم من قال فيه: ضعيف، أو: فيه ضعف، أو: ضعفوه، أو: لين، أو: فيه لين، أو: ليس بالقوي، أو: متروك، وقد يضيف إلى ما تقدم أوصافاً أخرى كقوله: شيعي، أو: يتشيع، أو: غلا في التشيع، أو: فيه رفض ونحو ذلك.
والبقية وعددهم ثمانية عشر، ثلاثة منهم قال عنهم: صدوق، واثنان قال عنهما: لا بأس به، وأربعة قال عنهم: مقبول، وبقيتهم بين: صدوق يخطئ، أو: صدوق كثير الخطأ، وبين: صدوق يهم، أو: له أوهام، أو: صدوق فيه لين، أو: صدوق شيعي، أو: صدوق يخطئ، أو: صدوق يهم ويغلو في التشيع، أو: صدوق إلا أنه عمي فصار يلقن ما ليس من حديثه.
وإذن فالثلثان من الضعفاء – وإن تفاوت ضعفهم – وأشد جرح أطلقه عليهم قوله عن بعضهم: " متروك " وعدد هؤلاء أربعة فقط من أربعين أطلق عليهم اسم الضعف.
أما الثلث فهم ممن يشمله اسم الصدق، وإن وصف أكثرهم بما يؤثر في العدالة أو الضبط، والذين يمكن قبول حديثهم – من غير اشتراط المتابعة، أو: موافقة الثقات، أو: عدم التفرد – خمسة فقط، وهم من قال فيهم الحافظ: صدوق، أو: لا بأس به.
أما الذين قال فيهم البخاري " فيه نظر " وليسوا ممن ذكر في التقريب فهؤلاء سأنقل الكلام عنهم لاحقاً إن شاء الله تعالى.
ـ[أبو حازم]ــــــــ[03 - 05 - 05, 12:29 ص]ـ
الحلـ (3) ـقة الثالثة:
¥