في الحقيقة قول الحافظ: (ووهم من خلطها بالتي قبلها) لا يقصد به الخلط في الجمع والتفريق بين الراويتين، ولكن يقصد ـ كما هو الواقع ـ أن البعض ربما يظن أن (عمرة عن عائشة) في مثل إسناد البيهقي المتقدم أنها (عمرة بنت عبد الرحمن ربيبة أم المؤمنين عائشة) على حين أن الصواب أنها: (عمرة عمة مقاتل بن حيان) لا تعرف سوى بهذا الاسم والوصف، ويروي عنها ابن أخيها (مقاتل بن حيان)، كما جاء في طرق الحديث عند الإمام أحمد وأصحاب السنن.
وإذن فكلام الحافظ هذا ونحوه إذا كان حاضراً في الذهن أو تم الوقوف عليه قبل الشروع في تعيين هذا الإسناد فإنه سيلفت النظر إلى احتمال آخر غير المتبادر لدى البعض، وبالتأمل في مثل هذا الموضع وغيره من المواضع الشائكة يمكن تنمية حاسة الحذر والبحث بأوسع مما وراء ظاهر النص، فلربما كان الأمر على خلاف ظاهر الإسناد، كما وقع فيما تقدم من أمثلة وكذلك فيما سيأتي.
مسند أحمد
(24384) حَدَّثَنَا قُرَيْشُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ شَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ التَّيْمِيِّ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ عَمَّتِهِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: " كُنَّا نَنْبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُدْوَةً فِي سِقَاءٍ
سنن أبي داود
(3279) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ: سَمِعْتُ شَبِيبَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ يُحَدِّثُ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَمَّتِي عَمْرَةُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ " تَنْبِذُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُدْوَةً
مثال (5):
وقع في صحيح مسلم الحديث التالي:
(3963) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، ح وحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: " أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَازَةِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ، أَوِ الْمُقْسِمِ، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ، وَنَهَانَا عَنْ خَوَاتِيمَ - أَوْ عَنْ تَخَتُّمٍ - بِالذَّهَبِ، وَعَنْ شُرْبٍ بِالْفِضَّةِ، وَعَنِ الْمَيَاثِرِ، وَعَنِ الْقَسِّيِّ، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالْإِسْتَبْرَقِ وَالدِّيبَاجِ "،
حَدَّثَنَا [أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ]، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سُلَيْمٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ، إِلَّا قَوْلَهُ: وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ، أَوِ الْمُقْسِمِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْحَرْفَ فِي الْحَدِيثِ، وَجَعَلَ مَكَانَهُ وَإِنْشَادِ الضَّالِّ.
ووقع في مسند الروياني الحديث بالإسناد التالي:
(394) نَا [أَبُو الرَّبِيعِ] نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ بَشَّارٍ سَوَاءً *
نقول ـ وبالله التوفيق ـ:
(أَبُو الرَّبِيعِ) الذي في رواية مسلم هو (أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ) كما صرح به، وهو (سليمان بن داود العتكي، أبو الربيع الزهراني البصري).
وأما (أَبُو الرَّبِيعِ) الذي عند الروياني فهو: (أَبُو الرَّبِيع السمتيِ) وهو (خالد بن يوسف بن خالد السمتي البصري)، لأن الروياني لم يثبت أنه روى عن (أبي الرَّبِيعِ الْعَتَكِيّ) بل روى عنه بواسطة كما في موضع وحيد من مسنده، وأما سائر رواياته عن (أبي الربيع) فهو السمتي، وتارة يصرح به، وتارة أخرى لا يصرح به لضعفه.
¥