لقد آثرنا سرد هذا النص، لكونه يمثل درساً عملياً في فن الجمع والتفريق بين الرواة، وكذلك للاستفادة من هذا الموضع من حيث تعقب المزي على الخطيب وهو ـ أي: الخطيب ـ المتخصص في هذا الفن، بما يعني قوة ملكات وأدوات المزي في هذا الفن، ومع ذلك فكما يتعقب الإمام إماماً آخر، قد يكون هو نفسه عرضة للتعقب في مواضع يسيرة بغير تعسف، ولا يتأتى هذا إلا بالإنصاف، والنظر في الأدلة، وإعمال النظر مرات عديدة، وقبل كل ذلك وبعده يأتي توفيق الله عز وجل لهذا الباحث أو ذاك في تحرير مسألة دقيقة أو غامضة، يوفق فيها للإمساك بأطراف ـ إن لم يكن أهداب ـ الأدلة، التي قد تبدو للبعض واضحة أو ملموسة، وقد تغمض على البعض الآخر أو تخفى عليه.
فمن هذه المواضع التراجم التالية:
المثال الأول في الجمع والتفريق:
خالد بن ثابت الربعي
والفصل والتمييز بين:
خالد بن باب الربعي البصري
وبين:
خالد الأحدب - الأثبج - ابن أخي صفوان بن محرز
خالد بن عبد الله بن خالد الأحدب
ملحوظة مبدئية:
الاسم الكامل لـ (خالد بن باب)
وفق ما في كتب التراجم وأهمها هنا: ابن ماكولا وطبقات خليفة
هو:
(خالد بن باب البصري الربعي ويقال الربيعي مولى بني ربيعة بن كعب بن زيد مناة بن تميم)
نسبة (الربيعي) وقعت فقط عند خليفة في الطبقات، وهي جائزة إن شاء الله لأنها نسبة إلى (ربيعة) بالولاء، حسبما ذكر خليفة في طبقاته، والله أعلم.
عناصر من واقع العمل:
أولا:
وقعت عدة أسانيد بلفظ: عوف عن خالد الربعي.
ثانيا:
وقع الإسنادان التاليان في الزهد لابن المبارك:
(384) حَدَّثَنَا رَوْحٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ خَالِدٍ قَالَ مُحَمَّدٌ: خَالِدُ بْنُ ثَابِتٍ الرَّبَعِيُّ قَالَ: وَجَدْتُ فَاتِحَةَ الزَّبُورِ ... إِنَّ رَأْسَ الْحِكْمَةِ خَشْيَةُ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ.
(513) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنَا عَوْفٌ عَنْ خَالِدِ بْنِ ثَابِتٍ الرَّبَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: " بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ شَابٌّ قَدْ قَرَأَ الْكِتَابَ ...
ووقع كذلك في شرح أصول الاعتقاد:
(253) ... مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفُ بْنُ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ ثَابِتٍ الرَّبْعِيِّ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ شَابٌّ قَدْ قَرَأَ
يلاحظ مما سبق أن محمد بن جعفر غندر هو الذي يسميه في الأسانيد التي يرويها في الزهد وعند اللالكائي: (خَالِدِ بْنِ ثَابِتٍ الرَّبْعِيِّ)، ولكن وجدت في العلل ومعرفة الرجال (1/ 563) حدثني أبي قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا عوف عن (خالد بن باب) يعني خالدا الربعي قال أبي وقال روح عن عوف عن خالد الربعي.
ولما ذهبنا نتحرى الاسم الكامل وبعض المعلومات عن (خَالِدِ بْنِ ثَابِتٍ الرَّبَعِيِّ) - قبل وقوفنا على تسمية (خالد بن باب) - هذا وجدنا شيئاً قليلاً جداً:
ـ ففي مصنف ابن أبي شيبة (7/ 74): [حدثنا أبو أسامة عن أبي الأشهب قال حدثني خالد بن ثابت الربعي]
ـ وفي فتح الباري (6/ 466): [وروى الثوري في تفسيره .. كان لقمان عبدا حبشيا نجارا، وفي مصنف بن أبي شيبة عن خالد بن ثابت الربعي أحد التابعين مثله]
ـ وفي كشف الخفاء (1/ 507): [وعند أحمد في الزهد عن خالد بن ثابت (الربعي) قال وجدت .. ]
فها هي مصادر أخرى وأسانيد أخرى من غير طريق غندر قد وقع فيها الاسم بلفظ: (خالد بن ثابت) في حين تقع رواية لغندر على المعروف كما سيأتي.
وفي الحقيقة فإن بعض هذه المصادر التي وقعت فيها التسمية بلفظ: (خالد بن ثابت) وإن كانت قد لا ترقى أصولها - فضلا عن طبعاتها - في الضبط والإتقان إلى ما يطمئن به القلب من صحة هذه التسمية، أو أنها أحد وجوه التسمية للراوي، إلا أن الخلاف أو الاختلاف قد يكون جديراً بالاعتبار بدرجة ما.
وتلخيص الأمر كما يلي:
1 ـ من واقع الأسانيد فإن معظمها وقع فيها: (خالد الربعي) لا يسمى أبوه.
2 ـ وما وقع مسمى في أسانيد قليلة سبق ذكرها فقد وقع فيها: (خالد بن ثابت الربعي).
¥