تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الراغب، فكان الفقير الحريص على درجتين من خمس وعشرين درجة من الفقير الزاهد، وهذا نسبة الأربعين إلى خمسمائة.

يقول ابن الأثير: وهذا التقدير وأمثاله لا يجري على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم جُزافًا ولا اتفاقًا، بل لسر أدركه، ونسبة أحاط بها علمه، فإنه لا ينطق عن الهوى. فهذه الدعوة -إذن- من باب القدوة، ومن باب جبر القلوب، وإعانة أهل البلاء بالفقر على الصبر والرضى والسعي الجميل والتعفف. وأما الإخبار بالسبق فالاستواء في القرائن الصالحة، والتي نبه إليها ابن الأثير في الجمع بين الأربعين والخمسمائة، فيكون الزائد من الفقير صبره، والمناسب للغنى كثرة حسابه على كثرة ماله.

وإن كان أستاذنا الدكتور يوسف القرضاوي قد وجه المسكنة توجيهًا آخر نفى فيه أن يكون المراد بالمسكنة الفقر فقال في ذلك: "قرأ بعضهم الحديث الذي رواه ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري والطبراني عن عبادة بن الصامت: "اللهم أحيني مسكينًا، وأمتني مسكينًا، واحشرني في زمرة المساكين ".

ففهم من المسكنة الفقر من المال، والحاجة إلى الناس، وهذا ينافي استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم من فتنة الفقر، وسؤاله من الله تعالى العفاف والغنى، وقوله لسعد: "إن الله يحب العبد الغني التقي الحفي " وقوله لعمرو بن العاص: "نعم المال الصالح للمرء الصالح ".

ومن أجل ذلك رد الحديث المذكور، والحق أن المسكنة - هنا - لا يراد بها الفقر، كيف وقد استعاذ بالله منه وقرنه بالكفر: "اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وقد امتن ربه عليه بالغنى فقال: "ووجدك عائلاً فأغنى ".

إنما المراد بها التواضع وخفض الجناح، قال العلامة ابن الأثير: أراد به التواضع والإخبات، وألا يكون من الجبارين المتكبرين. وهكذا عاش صلى الله عليه وسلم بعيدًا عن حياة المستكبرين".

وإذا كان ظاهر الرواية التي ذكرتها تعني الفقراء، فيبقى التوجيه الذي استخلصناه من دراسة الأحاديث مجتمعة في ارتباط الأمر بالقرائن من ناحية، وفي استمرار تهذيب النفس، حتى لا تطغى بالمال من ناحية أخرى، وفي تسلية الفقراء من ناحية ثالثة.

قال الحافظ المنذري: "وقد ورد من غير ما وجه، ومن حديث جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يدخل الجنة حبوًا لكثرة ماله" ولا يسلم أجودها من مقال، ولا يبلغ منها شيء بانفراده درجة الحسن، ولقد كان ماله بالصفة التي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم المال الصالح للرجل الصالح ". فأنَّى تنقص درجاته في الآخرة، أو يقصر به دون غيره من أغنياء هذه الأمة؟ فإنه لم يرد هذا في حق غيره، إنما صح سبق فقراء هذه الأمة أغنياءهم على الإطلاق، والله أعلم".

والسبق الذي ذكره الحافظ المنذري لمن تساووا في النسبة إلى هذه الأمة، ويبقى المعنى الذي ذكرناه في السبق مع الاستواء في كثرة الحساب الناشئ عن كثرة المال.

فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين، وأصحاب الجد محبوسون، غير أن أصحاب النار قد أُمر بهم إلى النار. وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء" أخرجه الشيخان.

ومما يدعم ما ذهبنا إليه كذلك من اعتبار القرائن، ما جاء في رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم أحيني مسكينًا، وتوفني مسكينًا، واحشرني في زمرة المساكين، وإن أشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة" رواه ابن ماجة إلى قوله: المساكين، والحاكم بتمامه، وقال: صحيح الإسناد.

فقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن الفقر وحده ليس محمدة فأشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة؛ لأنه لم يكن على ما يرضي الله من أحوال.

ولتسلية الفقراء وتشجيعهم على الصبر والرضا بقضاء الله، تأتي كثير من الأحاديث التي قد يفهم منها الثناء على الفقر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير