تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد ظهر من تتبع هذا السبب، كيف صارت المرأة في الناحية العملية، إلى حفظ الكثير من القرآن الكريم، وإلى كثرة القراءة منه في صلاتها، وكيف أقبلت على عبادتها برغبة، جعلت الزوج يطلب أن تحد منها، كما وجدنا شجاعة المرأة في عرض حالتها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وزوجها شاهد، لأنها لا تريد الانتقاص من استمتاعها بهذه العبادات، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حقق بسنته التوازن في العلاقات، فلها أن تقرأ، ولكن بما تيسر، حفاظًا على حق الزوج، ولها أن تصوم التطوع، ولكن بالتنسيق مع زوجها، حتى لا تضيّع حقه، كما أنها لا تسكت على منكر، فقد أخذت عليه أنه يصلي الفجر بعد طلوع الشمس، وفي إجابة النبي صلى الله عليه وسلم ما يفيد أن هذه حالة تخص هذا الرجل، لأعذار لم تذكر في الحديث، إلا في قوله: إنا أهل بيت عرف لنا ذلك. فهل هذا يعود إلى عمل لهم في الليل، أو إلى حالات قد تكون مرضية لا تمكنهم من الاستيقاظ حتى تطلع الشمس، قد يكون ذلك، لأن الأحاديث الأخرى أخذت على من ينام حتى يصبح، أن الشيطان بال في أذنيه.

فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلة حتى أصبح! قال: "ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه -أو قال- اُذُنه " متفق عليه.

ولقد كان لتتبعي ما يتصل بهذا السبب المذكور، من ملابسات وأسباب، من النتائج ما يؤكد أن ما نعده سببًا لحديث، قد يكون هو - أيضًا - في حاجة إلى بيان ما يرتبط به من أسباب.

فالإذن من النبي صلى الله عليه وسلم لصفوان بن المعطل، والمذكور في الحديث السابق: "فإذا استيقظت فصلّ"، جعلني أتساءل أولاً عن موقف العلماء من هذا الحديث الذي أخرجه أبو داود في سننه، والحاكم في مستدركه، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. فوجدت أن الإمام الذهبي قد ذكر الحديث في ترجمة صفوان بن المعطل، ولكن علق عليه بقوله: "فهذا بعيد من حال صفوان أن يكون كذلك، وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم على ساقة الجيش: فلعله آخر باسمه، فهذا الاستبعاد من الذهبي والذي بلغ التشكيك في كونه المراد بذلك على الرغم من أن محقق الكتاب ومخرج أحاديثه ذكر في تخريجه للحديث أن أبا داود أخرجه، وكذلك أحمد، ورجاله ثقات، وقال الحافظ في الإصابة: وإسناده صحيح.

وأما الإمام ابن القيم رحمه الله فقال: "وقال غير المنذري: ويدل على أن الحديث وهم، لا أصل له: أن في حديث الإفك المتفق على صحته قالت عائشة: "وإن الرجل الذي قيل له ما قيل ليقول: سبحان الله! فوالذي نفسي بيده ما كشفت عن كنف أنثى قط، قال: ثم قتل بعد ذلك في سبيل الله شهيدًا". وفي هذا نظر، فلعله تزوج بعد ذلك، والله أعلم.

ويذكر صاحب عون المعبود من الملابسات والظروف، ما يوضح هذا الإذن فيقول: "فإنا أهل بيت"، أي إنا أهل صنعة لا ننام الليل، "قد عرف لنا ذلك" أي عادتنا ذلك، وهي أنهم كانوا يسقون الماء في طول الليالي، "لا نكاد نستيقظ" أي إذا رقدنا آخر الليل. "قال: فإذا استيقظت فصلِّ" ذلك أمر عجيب من لطف الله سبحانه بعباده، ومن لطف نبيه صلى الله عليه وسلم، ورفقه بأمته، ويشبه أن يكون ذلك منه على معنى ملكة الطبع، واستيلاء العادة، فصار كالشيء المعجوز عنه، وكان صاحبه في ذلك بمنزلة من يُغمى عليه، فعذر فيه، ولم يثرب عليه.

ويحتمل أن يكون ذلك إنما كان يصيبه في بعض الأوقات دون بعض، وذلك إذا لم يكن بحضرته من يوقظه، ويبعثه من المنام، فيتمادى به النوم، حتى تطلع الشمس، دون أن يكون ذلك منه في عامة الأحوال، فإنه يبعد أن يبقى الإنسان على هذا في دائم الأوقات، وليس بحضرته أحد لا يصلح هذا القدر من شأنه، ولا يراعي مثل هذا من حاله، ولا يجوز أن يظن به الامتناع من الصلاة في وقتها ذلك، مع زوال العذر بوقوع التنبيه والإيقاظ ممن يحضره ويشاهده، والله أعلم.

والذي جعل صاحب عون المعبود، يسلك مسلك التأويل المذكور، هو ما قاله أبو داود في تخريج هذا الحديث بعد روايته له: "قال أبو داود: رواه حماد - يعني ابن سلمة - عن حُميد أو ثابت، عن أبي المتوكل".

وطريق أبي داود في هذه الرواية: "حدثنا عثمان بن أبي شيبة، أخبرنا جرير عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد قال:".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير