تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والطريق الثاني أجود، فإن الزهري لم يسمع عبد الله بن عمرو، وأيضًا فقد صح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ما قد يخالف ظاهر ذلك، وهو ما رواه مسلم وغيره من حديث هلال بن يساف عن أبي يحيى عن عبد الله بن عمرو قال: حُدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الرجل قاعدًا نصف الصلاة "، قال: فأتيت فوجدته يصلي جالسًا، فوضعت يدي على رأسي، فقال: مالك يا عبد الله بن عمرو؟ قلت: حدثت يا رسول الله أنك قلت: صلاة الرجل قاعدًا نصف الصلاة، وأنت تصلي قاعدًا، قال: "أجل ولكن لست كأحدكم"، فظهر من هذا الحديث أن عبد الله بن عمرو، لم يسمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم قبل هذا، بخلاف ما يشعر به ظاهر حديث عبد الرزاق، ولعله سمعه من بعض الصحابة أولاً، فلا تنافي.

وقد روى عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج: أخبرني عمرو بن دينار، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن للقاعد في الصلاة نصف أجر القائم، ولم يتعرض في هذا الحديث لذكر السبب. وما سبق من السبب، يستفاد منه أن هذا النصف لمن صلى وبه بعض مرض لا يلحقه حرج بالقيام، ويظهر من هذا السبب أن الصلاة كانت في المسجد وذلك لأحد أمرين:

(1) إما لأن الظاهر من حال المهاجرين إذ ذاك، أنهم لا بيوت لهم بالمدينة، وهذا إنما يستفاد بذكر السبب المذكور.

(2) أن تقريرهم على ذلك لبيان الجواز، وحديث عبد الله بن سعد السابق نص في تفضيل صلاة النافلة في بيوت المدينة، على صلاة النفل بمسجد المدينة.

وقد اتضح لنا أن تتبع أسباب الورود، يظهر لنا ما قد يكون من أسباب ترجيح رواية على أخرى، وإدراك ما بين الرواة من وصف دقيق لطرق التحمل والأداء وما ينشأ عن ذلك من ترجيح رواية على أخرى، كما أن هذا التتبع بعين المتأمل في معاني النصوص لكي يحسن توجيهها، فإذا وجد هذا التقرير الذي يفيد أن صلاة الجالس نصف صلاة القائم، وجه ذلك إلى النافلة، وأن المرء إذا تجشم القيام فهو أفضل له، وأن الصلاة من جلوس في النافلة جائزة، ولكن هل تستوى الفريضة مع النافلة في هذا التصنيف المذكور؟.

الظاهر من النصوص أن هذا لا يكون مع الفريضة إذا لم تكن هناك استطاعة، فالمرء يصلي قائمًا، فإن لم يستطع فجالسًا، وهكذا، ويكون أداؤه في هذه الحالة جريًا على القاعدة القرآنية الكريمة (لا يُكلف الله نفسًا إلا وُسعها) (البقرة:286). كما يتضح لنا من تتبع هذه الأسباب ما يكون من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم.

ولذلك كان توجيه سفيان الثوري: هذا للصحيح ولمن ليس له عذر، فأما من كان له عذر من مرض أو غيره، فصلى جالسًا، فله مثل أجر القائم.

وحديث: "لا تصوم المرأة وبعْلُها شاهد إلا بإذنه"، جاء في رواية (غير رمضان)، ورواه أبو هريرة، وهذا الحديث في الصحيحين والسنن.

وأما سببه: فرواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن عنده، فقالت: يا رسول الله إن زوجي صفوان بن المعطل السلمي يضربني إذا صليت، ويفطرني إذا صمت، ولا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، قال: وصفوان عنده فسأله عما قالت، قال: يا رسول الله أما قولها: (يضربني إذا صليت) فإنها تقرأ بسورتين وقد نهيتها، قال: فقال: "لو كانت سورة واحدة لكفت الناس "، وأما قولها: (يفطرني) فإنها تنطلق فتصوم، وأنا رجل شاب فلا أصبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: "لا تصوم امرأة إلا بإذن زوجها " وأما قولها: (إني لا أصلي حتى تطلع الشمس)، فإنا أهل بيت عرف لنا ذلك، لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس. قال: "فإذا استيقظت فصل ّ". أخرجه أبو داود في سننه، والحاكم في مستدركه، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.

وفي اللفظ المخرج في سنن أبي داود والحاكم وغيرهما: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يومئذ"، وفيه دلالة تشعر بأن مبدأ هذا الحكم، وسماعهم له، كان ذلك اليوم على هذا السبب، ومعنى ذلك أن البحث عن أسباب ورود الحديث ظهرت مبكرة، ولجأ إليها الصحابة رضوان الله عليهم، لكي يتوجه النص الوجهة الصحيحة، فإذا ارتبط الصيام بإذن الزوج، فليس ذلك عامًا، وإنما يخص النافلة التي يتسع المجال فيها بما يشق على الزوج، وهنا يضيع حق من حقوقه برغبة الزوجة في صيام التطوع، والذي قد تبالغ فيه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير