الله صلى الله عليه وسلم الناس وقال: من القائل كذا وكذا؟ قالوا: معاذ بن جبل، فقال: قد سن لكم معاذ فاقتدوا به، إذا جاء أحدكم وقد سبق بشيء من الصلاة فليصل مع الإمام بصلاته، فإذا فرغ الإمام فلْيقض ما سبقه به.
وروى أبو نعيم عن سليمان بن أحمد قال: أنا محمد بن محمد بن التمار البصري، ثنا حرمي بن حفص العتكي، أنا عبد العزيز بن مسلم، عن حصين، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل قال: كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سبق أحدهم بشيء من الصلاة، سألهم، فأشاروا إليه بالذي سبق به، فيصلي ما سبق به ثم يدخل معهم في صلاتهم، فجاء معاذ والقوم قعود في صلاتهم فقعد معهم، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فقضى ما سبق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا ما صنع معاذ).
فذكر السبب .. بيّن القصة التي شرحت الأمر السابق، وما صار إليه بعد فعل معاذ، الذي وافق سنة النبي صلى الله عليه وسلم التقريرية لفعل معاذ، فبيّن السبب أن المسبوق كان يبتدئ بعد أن يكون منفردًا، وقد أجاز ذلك جمْع من أهل العلم، ومنهم الشافعي في أرجح قولية، وقال في موضع آخر: ولا يجوز أن يبتدئ الصلاة لنفسه ثم يأتمّ بغيره، وهذا منسوخ.
وقد كان المسلمون يصنعون ذلك، حتى جاء معاذ بن جبل، أو عبد الله بن مسعود، وقد سبقه النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من الصلاة، فدخل معه، ثم قام يقضي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن ابن مسعود -أو معاذًا- قد سن لكم سنة فاتبعوها"، قال المزني: قوله عليه الصلاة والسلام: "إن معاذًا قد سن لكم"، يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يستن بهذه السنة، فوافق ذلك فعل معاذ.
ويرى البلقيني: أن ما قاله المزني يشير به إلى أن معاذًا أقدم على ذلك بأمرٍ ظهر له من شريعة النبي صلى الله عليه وسلم.
وبقي للمجتهدين أن يفسروا ماذا يُراد بالقضاء أو الإتمام. فهل القضاء يعني أن ما فاتهم يؤدى على ما أداه الإمام؟ أم أن الإتمام سيجعل المسبوق يحسب لنفسه ما صلاه مع الإمام ثم يتم ما بقي من صلاته؟
ويكفينا من هذا التساؤل، الإشارة إلى بحث هذا في موضعه.
وحديث: "ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ".
وفي هذا الحديث الذي يقول: "ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله"، وهذا الحديث له سبب، وهو ما رواه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، من حديث أبي نملة الأنصاري، وهو عمار بن معاذ بن زرارة بن عمر بن غُنْم الخزرجي الأنصاري، أنه قال: بينما هو جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده رجل من اليهود، مُرَّ بجنازة فقال: يا محمد هل تتكلم هذه الجنازة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله أعلم. فقال اليهودي: إنها تتكلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا بالله ورسله، فإن كان باطلاً لم تصدقوه، وإن كان حقًا لم تكذبوه " أخرجه أبو داود في كتاب العلم، في الباب الثاني منه.
ففي هذا السبب، بيان واضح للحديث، وتفسير النهي المذكور فيه، والذي قد يلتبس على من لم يعلم سبب ورود الحديث .. كما أن معرفة السبب، بيّنت جوانب أخرى، هي من فوائد معرفة أسباب ورود الحديث، ومنها: موقف النبي صلى الله عليه وسلم من الشيء الغيبي، الذي لا يعلمه، فإنه يقول فيه: لا أعلم، حتى يخبره الله سبحانه بما شاء من علمه، وفي هذا تعليم لأمته، إذا استفتي أحدهم فلا يستحي من قول: لا أعلم، أو لا أدري، فإن من ترك هذه العبارة في مواضعها فقد أصيبت مقاتله كما ذكر العلماء.
كما أفاد هذا الموقف بيان طبيعة اليهود، ومظاهر التعنت التي سلكوها، ومنها: توجيه الأسئلة للإحراج، والمصحوبة بادّعاء العلم والكذب على الله.
وموقف النبي صلى الله عليه وسلم، والذي فسره سبب الورود، يصيب الحقيقة دون الانفعال الغاضب من فعل اليهود، فلا تصديق لهم فيما يحدثون به، لأنهم يكذبون، ولا تكذيب لهم كذلك فيما يحدثون، لأنهم قد يخلطون بين حق وباطل، وإنما يكون التصديق بأصل ما نزل على موسى عليه السلام من التوراة، وأما ما في أيديهم فقد حرفوه، وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "وقولوا آمنا بالله ورسله ".
¥