تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا الحديث الذي انتقده أبو الفضل مروي عن أبي قلابة من ثلاث طرق، الطريق الأولى طريق يحيى بن أبي كثير، والطريق الثانية طريق أيوب السختياني، والطريق الثالثة طريق خالد الحذاء، والزيادة في هذا الحديث إنما وقعت في طريق يحيى بن أبي كثير من رواية أبي غسان عن معاذ عن أبيه عن ابن أبي كثير، وقد روى الحديث عن ابن أبي كثير جماعة لم يذكروا في روايتهم هذه الزيادة.

بل ورواه عباس النرسي عن معاذ بن هشام به بدون ذكر الزيادة، أخرج رواية النرسي أبو نعيم في المستخرج، ثم قال: "رواه مسلم عن أبي غسان المسمعي عن معاذ بن هشام عن أبيه وزاد: ومن ادعى دعوة كاذبة ليستكثر بها لم يزده الله إلا قلة"، ورواية عباس النرسي هذه تصدق ظن أبي الفضل الهروي أن الغلط من المسمعي.

وعليه فإن حكم أبي الفضل على الزيادة المذكورة بكونها غير محفوظة حكم صحيح لا أظنه يرتاب فيه من له أدنى معرفة بعلم الحديث.

ومن ثم فإني لا أحسب مسلماً قد غفل عن معرفة ذلك، بل إن إيراد مسلمٍ لطرق هذا الحديث في صحيحه يدل على أنه على علم بتفرد أبي غسان بذكر هذه الزيادة، حيث بدأ مسلمٌ ذكره لطرق هذا الحديث بروايتين عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة، إحداهما رواية يحيى بن يحيى عن معاوية بن سلام عن ابن أبي كثير، والأخرى رواية أبي غسان هذه، فبدأ برواية يحيى بن يحيى عن معاوية بدون ذكر الزيادة ثم ثنى برواية أبي غسان وهي التي فيها الزيادة، ثم ذكر مسلم بعد ذلك الطريقين الآخرين عن أبي قلابة أعني طريق أيوب السختياني وطريق خالد الحذاء، مبيناً لفظ كل من هذين الطريقين، وليس في أي منهما ذكر لتلك الزيادة.

وإذا كان مسلمٌ على علم بهذه الزيادة فما هو السبب في إخراج مسلم لهذا الحديث مع علمه التام بما يكتنفه من إشكال؟.

السبب في إخراج مسلم للحديث

إن سبب ذكر مسلم لهذا الحديث في صحيحه، على هذا النحو، مع علمه التام به، فيما أحسب أحد سببين؛

1 - (السبب الأول): تقوية أصل الحديث – أعني رواية يحيى بن أبي كثير من طريق معاوية بن سلام – لعلوها وجلالة قدر صاحبها، ووضوح الخطإ في الرواية التي ذكرها مسلم على سبيل المتابعة، - أعني رواية أبي غسان -، فكانت مصلحة الاستكثار من الطرق مقدمة على مفسدة الظن بمسلم أنه يحتج بالزيادة المتضح خطؤها، وإنما قلت ذلك لأن إخراج مسلم لحديث أبي غسان لا يخرج عن أحد فرضين؛

أ- (الفرض الأول): أن نقول بأن مسلماً حين أخرج هذه الرواية كان مقتنعاً بصحة الزيادة التي وقعت فيها، وهذا الفرض بعيد فيما أحسب، لأن مسلماً كغيره من أهل الحديث لا يقبلون رواية راوٍ منفرد بروايته عن جماعة من الرواة الثقات، سواء كان ذلك الانفراد بزيادة تخالف ما رواه الجماعة أم لا، إلا أن يكون ثمة قرائن قوية ترجح جانب القبول كما هو معلوم. وقد قال مسلم نفسه وهو يبين كيفية معرفة غلط الراوي فيما رواه: "أن يروي نفر من حفاظ الناس حديثا عن مثل الزهري أو غيره من الأئمة، بإسناد واحد ومتن واحد، مجتمعون على روايته في الإسناد والمتن، لا يختلفون فيه في معنى، فيرويه آخر سواهم عمن حدث عنه النفر الذين وصفناهم بعينهم، فيخالفهم في الإسناد، أو يقلب المتن فيجعله بخلاف ما حكى من وصفنا من الحفاظ، فيعلم حينئذ أن الصحيح من الروايتين ما حدث الجماعة من الحفاظ، دون الواحد المنفرد، وإن كان حافظاً، على هذا المذهب رأينا أهل العلم بالحديث يحكمون في الحديث، مثل شعبة وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي، وغيرهم من أئمة أهل العلم".

نعم قد يقول قائل بأن المراد من هذا الذي يقوله مسلم المخالفة دون الزيادة، ويتشبث في ذلك بما ورد في قول مسلم السابق (فيجعله بخلاف ما حكى من وصفنا)، والحقيقة أن هذا القول فيه محاكمة لقول مسلم بما استقر عليه الاصطلاح عند المتأخرين، أي أن فيه تعاملاً مع قول مسلم وكأنه قول جاء بعد استقرار الاصطلاح في معنى المخالفة، وأن المراد منها المناقضة، والحقيقة أن المخالفة عند المتقدمين تشمل المخالفة والزيادة المناقضة وغير المناقضة، ما دامت تلك المخالفة أو الزيادة تشعر باختلال حفظ الذي رواها أو الذي لم يروها، هذا هو الذي عليه أهل العلم بالحديث، وهو المراد من قول مسلم فيما أحسب، ولذلك نجده وغيره من الحفاظ يردون زيادات في الحديث ليست مناقضة لرواية من تركها، والأمثلة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير