تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الكاتب إن الجهل بالسنة جهل بالفقه. و لي عليه تعليق بسيط يرجع إلى اشتراك كلمة الفقه و دلالتها على معنيين مختلفين. فإنَّ الفقيه الحقَّ هو من يستطيع الاستنباط أو على الأقل الترجيح وهما وظيفتان لا بد لمزاولتهما من معرفة السنة معرفة تتراوح ما بين المشاركة إلى الاتقان ولا يقنع لمن أراد ذلك بالإلمام. فالفقيه بهذا المعنى هو الذي يتوجه عليه كلام الكاتب. وأما الفقيه في المصطلح العام وهو من يعرف الأحكام الشرعية لمعرفته لمتن يجمع أقوال مذهب فإنه لا شكَّ مقصر بل قد ذهب بعض أهل العلم أنه يحرم عليه أن يفتي ولكن الراجح أنه يجوز له أن يفتي بما في تلك المتون فهو "لا يحتاج" إلى معرفة السنة. و لقد كان هذا حال كثير من الفقهاء المتأخرين الذين قنعوا بالتقليد و اقتصروا عليه و لا ينكر منصف أن ذلك الأمر أثر تأثيرا سلبيا على مستوى مؤلفاتهم قياسا على سلفهم.

ثالثا

مسألة التجريد لا أوافق الكاتب في إفراطه في تحميلها مشكلة الفقه. و كذلك عندي أن التجريد كان حتمية لأن الفقه كثرت مسائله حتى أصبح من المتعذر أن يجمع الطالب معرفة بأدلتها و توجيه تلك الأدلة فإن ذلك أيضا يحتاج إلى استظهار فنون اخرى. مثلا قول الشافعي أن مسح بعض الرأس يكفي لا يمكن للطالب بله المستفتي العامي أن يفهم أن الباء في الآية للتبيعيض وأنه من ما ورد في لغة العرب إلا بأن يدرس باب الحروف من أصول الفقه و ما ينضاف إلى ذلك من دقائق العلوم و إنما هذا مثال من بين آلوف الأمثلة و من أراد أن يفهم ما أقول ~ و قد فهمتم لا شك~ فما عليه إلا أن يفتح كتاب فتوى و يطبق منهج الاستدلال. هذا في حق المبتدئ وهو كما هو معروف المقصود بالمجردات لا من قد نال قسطا من العلم فإنه عادة يبدئ بدراسة الكتب المطولة التي تناقش أدلة الخصم فضلا عن أدلة المذهب. فخليل كان إلى عهد قريب في بلادي و في غيرها إنما يعتبر من حفظه قد أتى على ما يخوله الجلوس في حلقات الفقه التي يدرس فيها أكثر ما يدرس فتاوى المتأخرين التي هي عكس ما يظن الكثير غير مقيدة بالتقليد فإنهم أدخلوا أمور لاستحداث الترجيح منها لدى المالكية جريان العمل و هو لدى الأحناف كذلك. إن مسلك الاستدلال يتطلب مجتمعا واعيا قد تمكن من ثقافة دينية تجعلهم قادرين على فهم مغزى الأدلة كما كان في القرون المُزكَّاة.

و لعل أهل الصحوة سددها الله قد بالغوا في تقييم طاقاتهم و هو أمر خطير فليس الناس على ذلك القدر من العلم الذي يتوهمونه فالأولى أن يسلك بهم مسلكا وسطا بين التجريد والاستدلال.

أما أن المالكية لم يعتنوا بأدلة مذهبهم فهو صحيح من حهة أنهم لم يفرغوا لذلك مصنفا و أما أنهم ذكروها في المؤلفات متفرقة يعرفها العلماء. بل من علمائهم من مزجها بالفروع كالقرافي في كتابه " الذخيرة" و المقري في كتابه " القواعد " وجه كثيرا من فروع المذهب. هذا نزر من قليل و لم أذكر كتب الأوائل ككتب ابن عبد البر و لا ابن العربي و لا الباجي و لا ابن رشد الجد و من أراد أن يرى ان التوجيه كان معروفا في المذهب فعليه ببداية المجتهد لابن رشد الحفيد فإنه وجه فيه مسائل كثيرة من الاختلاف. والله أعلم.

رابعا

ذكر المؤلف و أعاده للتأكيد أن المعيار هو الأخذ بالسنن أو تركها و هو رأي يحتاج لبعض التوضيح. فإنه من المسلم أن السنة إذا ثبتت إسنادا ومتنا فلا يردُّها إلاَّ من لا خلاق له كما قال الشافعي أرأيت في وسطي زنَّاراً. و لكن يجب أن لا نغفل هناك أصول لكل مذهب هي ما توصل إليه ذلك المجتهد. فأن نطالب الأحناف مثلا بأن يتراجعوا عن تقديم التعميم على التخصيص صعب. أن يتراجعوا من دون قناعة. فالمُجْتَهد لا يقلد. فإن أدَّاهُ اجتهاده إلى شيء فهو حكم الله تعالى في حقه. فلا بد من اعتبار أصول الفقه و قواعده.

هنالك قاعدة هي أن القول الضعيف (غير الواهي ولا المتروك) إذا جرى به العمل فإنه يترجح على القول الأقوى. فهذه القواعد التي ليست مجرد آراء بل هي مبنية على أدلة شرعية فلا يتوقع أن تلقى هباء.

إن كثيرا من الأمور تجعل آمال الكاتب وفقه الله شبه مستحيلة و خصوصا الفقه الموحد بل لا أرجو ذلك.

هذا بعض ما أردت الأشارة إليه و السلام

.................................

سبحانك اللهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلا انت استغفرك واتوب إليك

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير