2) – بيان صفحات من جهود المغاربة في علم الحديث، ونفي عيب طالما ردده أهل المذاهب الأخرى من المشارقة، وهو أن كتب المغاربة – وهم مالكية - خالية عن ذكر الدليل الأثري، على حين أنك لا تجد كتابا في فقه الشافعية أو الحنفية أو الحنابلة خاليا عن ذكر الدليل لكل مسألة فيه واضحة كانت أو خفية، وهذا شيء يلفت النظر ويحز في القلب ويؤلم النفس …مالك…إمام أهل السنة وشيخ الحفاظ بحيث سماه يحيى بن سعيد القطان ويحيى بن معين أمير المؤمنين في الحديث، تخلو كتب مذهبه عن الدليل!! فلا يجد القاريء لها والناظر فيها إلا آراء مجردة وأقوالا متناقضة، يشعر المالكية أنفسهم بتناقضها، ولقد بلغ من إعراضهم عن الدليل أنهم يضعفون أقوال أئمة المذهب المعروفين بالميل إليه والعمل بما يقتضيه، كابن عبد البر والباجي وابن العربي، فأقوال هؤلاء و أمثالهم لا تذكر في كتب المتأخرين إلا مشفوعة بالتضعيف غالبا، لا لشيء لأن أصحابها يتبعون الدليل، عملا بوصية الإمام مالك نفسه حين أمر أصحابه أن يعرضوا كلامه على كتاب الله وسنة رسوله، فإن خالفهما فليضربوا به عرض الحائط، بل بلغ المتأخرون في الغلو إلى حد أن بعض شراح تحفة ابن عاصم قال أثناء كلامه على مسألة مانصه:" …خلافا لما في الحديث" (2)!!! فيا لله ويا للمسلمين إذا خولف الحديث بهذه الصراحة فيعتبر وفاق من!! (3).
3) - إبراز مذهب أهل الحديث الذي كان سائدا في المغرب الإسلامي، واشتهر به من المغاربة جماعة من الأعلام، وفيه رد على بعض المتعصبين الذين يعتبرونه دينا جديدا (4).
4) - إبراز صفحة من صفحات مساهمة المغاربة في التراث الإسلامي، على عكس ما روج عنهم أنهم بدو لا يصلحون للحضارة (5).
هذا وقبل الشروع في المقصود لا أرى من الحاجة هنا ذكر مقدمة للتعريف بالحديث الفرد و الغريب وأقسامهما، ولعلي أثبتها في بحثي القادم بعنوان: علل مرويات المغاربة أو غرائب المغاربة. وأكتفي بهذا التنبيه.
تنبيه: المقصود ببلاد المغرب في بحثنا هذا هي ماوراء بلاد مصر من الأمصار حيث مساكن البربر، فيشمل المغرب الأدنى (تونس والقيروان أو ما كان يعرف بأفريقية) والمغرب الأوسط (و أشهر مراكزه العلمية قديما: بجاية وتلمسان)، والمغرب الأقصى (ويشمل كل ماوراء المغرب الأوسط)، والأندلس. قال الذهبي في السير (18/ 448): "المشرق في عرف المغاربة مصر وما بعدها من الشام والعراق وغير ذلك .. "اهـ.
وبذلك تعرف خطأ من اقتصر في تعريف حد المغرب على المغرب الأقصى وموريتانيا والأندلس كصاحب تراث المغاربة وغيره، فتنبه ولا تكن من الغافلين.
والآن قد حان أوان الشروع في المأمول، وذلك حين أبتديء فأقول:
أولا: ما انفرد به المغاربة في علم الرواية:
1) - انفردوا برواية القلانسي لصحيح مسلم:
اشتهرت عناية المغاربة بصحيح مسلم بن الحجاج القشيري بقسميه رواية ودراية، فأما جانب الدراية فيشمل أمورا كثيرة كان المغاربة سباقين إلى بعضها كالشروح والمختصرات والحواشي والتعاليق والعناية برجاله وغريبه والجمع بينه وبين غيره من المصنفات ونحو ذلك.
وامتدت صور عنايتهم به إلى جانب الرواية فقد عرفت للصحيح ثلاث روايات ثم انحصرت في اثنتين منها بعد القرن السادس تفرد المغاربة بإحداها.
• روايات صحيح مسلم:
روى الصحيح عن مسلم كثير من تلاميذه، وقد عرفت روايته متصلة من ثلاثة منهم وهم:
أ) - أبو حاتم مكي بن عبدان التميمي النيسابوري (ت:325)
وقد ذكر روايته الحافظ أبو علي الحسين بن محمد الجياني (ت:498) وقال:"لم يقع لنا منها شيء- أي ببلاد المغرب-" ولم يعرف لها إسناد متصل في عهد ابن الصلاح والنووي.
ب) - أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان النيسابوري (ت:308)
وهو ثقة عابد فقيه وكان كثير الملازمة لمسلم، وقد اشترك في روايته أهل المشرق وأهل المغرب.
ج) - أبو محمد أحمد بن علي القلانسي:
وقد تفرد المغاربة بروايته لصحيح مسلم قال الحافظ ابن الصلاح في (صيانة صحيح مسلم ص:111):" وقعت بروايته عند المغاربة ولم أجد له ذكرا عند غيرهم، دخلت روايته إليهم من مصر على يد من رحل منهم إلى جهة الشرق". وقد سمعوها بمصر من أبي العلاء عبد الوهاب عيسى بن ماهان البغدادي نزيل مصر (ت: 388) وقد كتب الحافظ الدارقطني إلى أهل مصر ليكتبوا صحيح مسلم عن ابن ماهان ووصفه بالثقة والتمييز.
¥