2) - وانفردوا بأشهررواية للموطأ رواية يحيى بن يحيى الليثي:
ونسخته هي المعنية عند إطلاق الموطأ وقد طغت روايته على نسخ الموطأ جميعها في المشرق والمغرب باعتبار أنه آخر الروايات وأكثرها انتقاء وتنقيحا وطبع مفردا ومشروحا طبعات متعددة.
ونقل اللكنوي عن كشف الظنون تداول الناس نسخ الموطأ المتعددة وبقاءه في موطأ يحيى فقد قال أبو القاسم محمد بن الحسين الشافعي:"الموطآت المعروفة عن مالك أحد عشر معناها متقارب والمستعمل منها أربعة: موطأ يحيى بن يحيى وابن بكير وأبي مصعب وابن وهب ثم ضعف الاستعمال إلا في موطأ يحيى ثم موطأ ابن بكير.
أخذ يحيى الموطأ من زياد بن عبد الرحمن المعروف بشبطون الذي كان أول من أدخل مّهب مالك الأندلس (ت:204) وارتحل يحيى إلى المدينة فسمع الموطأ من مالك بلا واسطة إلا ثلاث أبواب من كتاب الاعتكاف وكانت ملاقاته وسماعه في السنة التي توفي فيها مالك سنة (179)، ويعد يحيى أجل تلاميذه ووقعت له رحلتان علميتان أخذ فيها العلم عن مالكيين وغير مالكيين كالليث وابن عيينة وغيرهم وكان مالك يلقبه بالعاقل.
وروايته للموطأ هي مما انفرد بها عنه أهل بلده واشتهرت فيما بعد بالمشرق عن طريقهم وبإسنادهم.
قال في ذيل التقييد (1/ 32):" ولم أر ذكر رواية أحد من المغاربة لشيء من الكتب المذكورة في التأليف لنزول روايتهم غالبا إلا أن لجماعة من المغاربة رواية عالية في الموطأ رواية يحيى بن يحيى…"اهـ.
وقال الإمام أبو عبد الله الحطاب في شرحه على خليل (1/ 6) وهو يسوق أسانيده إلى الكتب المصنفة:"…الموطأ للإمام مالك بن أنس ولنقتصر على رواية يحيى بن يحيى الليثي لأنها أشهر رواياته وهي مما انفرد بها المغاربة…"اهـ.
(يتبع…)
الهوامش:
(1) - رأيت بعد استكمال جل عناصر البحث من جملة مصادر الأستاذ محمد بن عبد الله التليدي في كتابه "تراث المغاربة"بحثا له نشره في مجلة الحق المغربية عدد (285) بعنوان:"اختيارات وآراء المغاربة في علوم الحديث، ولم أحصل عليه لأستفيد منه، إلا أنه يظهر من عنوانه أنه اقتصر على أبواب الدراية والله أعلم.
(2) - قد استغل بعض من لم تتضح له الأمور مثل هذه العبارات التي لهج بها كثير من المتأخرين فشنها حربا على المذاهب المتبعة، مع أن الواجب تجاه كلام أهل العلم أن يحمل على المحمل الحسن ويعتذر لما ذكروه أنهم لم يقصدوا مخالفة الحديث الصحيح الصريح – رحمهم الله- وكلامهم يحتمل غاية ما في الأمر أنهم أطلقوا في موضع يحتاج إلى التقييد، ثم لعلها كانت عبارات مفهومة لديهم فتكون من قبيل المطلق الذي أريد به التقييد، فكان ماذا؟
(3) - مسالك الدلالة في شرح الرسالة لأحمد بن الصديق الغماري الصوفي الدرقاوي المتشيع المجتهد (ص:442 - 443).
(4) - أنظر مقالا للأستاذ إبراهيم التهامي بعنوان:"مدرسة أهل الحديث بالمغرب العربي" مجلة الموافقات الصادرة عن كلية أصول الدين بالجزائر- العدد:05،ص:198.
(5) - شاع ذلك من كلام ابن خلدون كما في مقدمته، ثم إن لفظ " مغربي" ورد في التاريخ وقصد به الفاطميون الشيعة، أنظر ذيل مولد العلماء (1/ 97)، وتارة ورد وقصد به البربر المتوحشون حتى إن بعض المغاربة ألف في الرد على هذه الفرية كتابا سماه"مفاخر البربر" قال في أوله:"…فإنه لما كانت البربر عند كثير من جهلة الناس أخس الأمم وأجهلها وأعراها من الفضائل وأبعدها من المكارم … ولما كانت بلاد المغرب منازل البربر ومساكنهم صارت أيضا محقرة عند الناس وأدون أقاليم الدنيا…"، وتارة قصد به المشعوذ الساحر، أنظر كتاب "برهان الشرع في إثبات المس والصرع" لأحد المعاصرين وهو الشيخ علي الحلبي حيث قال ردا على من سمى نفسه محمود المغربي (حاشية ص:222):" ونسبة (المغربي) نسبة فضفاضة تغر العامة و تثير انتباههم تسترعي أنظارهم، لذلك ينتسب إليها كثير من المشعوذين والدجالين والسحرة الضالين!! "، وبعضهم اعتبر هذه النسبة جرحا خاصا في اتهام الرواة وتوهينهم، أنظر كتاب بيان تلبيس المفتري محمد زاهد الكوثري" للغماري (ص:15).
ثم اعلم أنه من القديم نصبت المناظرة بين المشرق والمغرب وكان التنافس حادا على نيل السؤدد والرياسة لا بين الملوك فحسب كما حدث بين الأيوبيين بالمشرق والموحدين بالمغرب، بل حتى بين العلماء والأدباء وليس ذلك من قبيل العصبية للأوطان بل هي جادة مطروقة عند العلماء من قديم كما ترى في تآليفهم في فضائل البلدان، وتراجم علماء الأوطان. قال الراعي الأندلسي وهو يعدد فضائل أهل المغرب كما في "انتصار الفقير السالك":" فالمغاربة أكثر حزما من المشارقة، وأشد اتباعا وأصح نظرا…». وقال أيضا:
للغرب فضل شائع لا يجهل --- ولأهله شرف ودين مكمل.
ظهرت به أعلام حق حققت --- ما قاله خير الأنام المرسل.
فلأهله حتى القيامة لن يزالوا--- ظاهرين على الهدى لن يخذلوا.
إشارة إلى الحديث الوارد في أحد فصول البحث وهو: لا يزال أهل المغرب ظاهرين عل الحق…
ومن المفارقات العجيبة في هذا الباب افتخار مغربي بفضل المشرق على المغرب كما وقع مع الإمام الأندلسي صاحب الرحلة المشهورة إلى المشرق حيث قال في شعر له:
لا يستوي شرق البلاد وغربها --- الشرق حاز الفضل باستحقاق.
انظر لحال الشمس عند طلوعها--- زهراء تصحب بهجة الإشراق.
وانظر لها عند الغروب كئيبة--- صفراء تعقب ظلمة الآفاق.
وكفى بيوم طلوعها من غربها --- أن تؤذن الدنيا بوشك فراق.
وقال أيضا بلديه الإمام أبو محمد بن حزم الأندلسي:
أنا الشمس في جو العلوم منيرة --- ولكن عيبي أن مطلعي الغرب.
ولو أنني في جانب الشرق طالع --- لجد على ما ضاع من ذكري النهب.
وبالمقابل قال ابن دانيال الموصلي من أهل المشرق مفتخرا بالغرب:
ألا إن أرض الغرب أفضل موطن --- تساق إليه الواحدات النجائب.
ولو لم يكن في لغرب كل فضيلة --- لما حركت شوقا غليها الكواكب.
¥