ولا ينجو من المخالف فإن تعرض لتأليف غمز ولمز، وتعرض وهمز وسترت فضائله وهتف ونودي بما أغفل فتسكن لذلك همته، وتكل نفسه وتبرد حميته …الخ كلامه (أنظره في رسائل ابن حزم الأندلسي تحقيق إحسان عباس).
ت: وكأني بأهل مصر قد هبت عليهم ريح مغربية، حين قال الشافعي عن الليث بن سعد المصري:" الليث أفقه من مالك لولا أن قومه ضيعوه ".
السبب الثاني:
جهل أهل المشرق بعلماء المغرب (*):
وهو ظاهر لمن تتبع عبارات الحفاظ كالدارقطني وابن حبان وأبو حاتم وغيرهم …فإنهم درجوا على إطلا ق وصف الجهالة على الرواة المغاربة، ووصف النكارة على مروياتهم.
جاء في ترجمة عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي في التهذيب للمزي:" أما الأفريقي فإن أحاديثه التي تنكر عن شيوخ لا نعرفهم وعن أهل بلده فيحتمل أن يكون منهم ويحتمل أن لا يكون… ويروى عن يحيى القطان أنه قال: الأفريقي ثقة ورجاله لا نعرفهم فقال لي أبو زرعة حديثه عن هؤلاء لاندري، ولكن … ".
ت: وقد أطلق بعضهم هذا الوصف في المشاهير منهم:
قال ابن حجر في ترجمة عبد الله بن عمر بن غانم قاضي أفريقية من التهذيب له، بعد أن اورد كلام ابن حبان فيه - وكان قد أفحش القول فيه-:" ابن حبان ما عرف هذا الرجل لأنه جليل القدر ثقة لاريب فيه .. "اهـ.
وفي ترجمة محمد بن عبد السلام بن سعيد التنوخي، من اللسان - بعد أن أورد له حديثا من رواية يحيى بن خشيش القيرواني عنه هن أبيه عن مالك … قال الدارقطني.لا يثبت ورواته مجهولون!!!.
قال ابن حجر: " ثم ظهر لي أن محمد بن عبد السلام ثقة معروف، وهو ابن سحنون فإن اسم سحنون عبد السلام بن سعيد وسحنون لقبه كما تقدم في ترجمته وابنه محمد من كبار العلماء بالمغرب"اهـ.
هذا وبعد الوقوف على كلام الشيخ شاكر -رحمه الله- عزمت على تتبع مواطن تراجم الرواة المغاربة من كتب التاريخ والرجال والعلل وتحقيق أحوالهم - بما تيسر-، فاجتمع لي من ذلك جملة نافعة - إن شاء- تصلح أن تنشر في بحوث متتابعة، ولا يفوتني الإلماع إلى أن من بين الذين نبهوا على كثير من التراجم المغربية الحافظ مغلطاي الحنفي في استدراكاته على الإمام المزي في كتابه "إكمال تهذيب الكمال"، فإنه قد استفاد كثيرا من كتب حافظ القيروان أبي العرب القيرواني التي لم يطلع عليها المشارقة، وتبعه على ذلك ابن حجر فإنه صرح في مقدمة تهذيب التهذيب أنه اعتمد على كتاب مغلطاي في العاجل قبل أن يكشف الأصول في الآجل، واعتمد على غيرها من كتب الأندلسيين وعليها بنى أكثر استدراكاته على الذهبي في اللسان فيما يتعلق بتراجم الرواة المغاربة.
ولكنهم مع ذلك ند عنهم ما أجمع بعضه هنا، والآن لنشرع في المقصود بعون الملك المعبود، فأقول:
1) - الحافظ أبو العرب القيرواني هو محمد بن أحمد التميمي (ت:333) ترجم له من المشارقة الذهبي في السير وتذكرة الحفاظ وأثنى عليه وعلى حفظه وترجم له من المغاربة عياض في المدارك والخشني في طبقاته وكذا صاحب معالم الإيمان له كتاب طبقات علماء أفريقية وتونس (مطبوع باختصار الطلمنكي) وثقات المحدثين وضعفائهم (وهو مفقود) وغيرها،ونقل منها مغلطاي وابن حجر- كما سبق- وهذا الأخير يصفه دائما بأبي العرب الصقلي.!!! حافظ القيروان، (كذا) ولم أجد أحدا ممن ترجم له نسبه إلى صقلية ولا حتى مغلطاي الذي من كتبه ينقل الحافظ كما نص في ةمقدمة تهذيب التهذيب، والمشهور أنه قيرواني وقد يقال نسبة إليها: قروي، بها ولد وأخذ العلم عن شيوخها وبها توفي ولم يثبت أنه نزل صقلية بله ينسب إليها، فمن أين للحافظ بهذه النسبة…؟؟؟. وأبو العرب الصقلي هذا لعله هو شاعر بلاط المعتمد بن عباد الأندلسي له ترجمة في وفيات ابن خلكان وقد نقل المقري شيئا من شعره في نفح الطيب، وهو متأخر عن زمان القيرواني ولم يرد أنه كان له اشتغال بالحديث ولا قيروانيا فضلا عن كونه حافظ القيروان!!
وهذا ما يؤكد أن الحافظ ما وقف على كتب الحافظ أبي العرب، وأن جل نقوله عن مغلطاي، أما قوله في المقدمة إنه اعتمد على كتاب مغلطاي في العاجل قبل أن يكشف الأصول في الآجل، فلم يف به، أما نسبة القيرواني إلى صقلية فهو شيء عجيب .. !!!.
2) - جاء في تهذيب التهذيب في ترجمة أبي غطيف الهذلي الذي روى عنه الأفريقي حديث (من توضأ على طهر كتب الله له عشر حسنات):" قال ابن أبي حاتم عن أبي زرعة: لا يعرف اسمه"اهـ.
ت: وهو في طبقات أبي العرب (ص:91). قال"وأبو غطيف من أهل أفريقية واسمه بشر، وقد تزوج أبو غطيف بنت بكر بن سوادة الجذامي"اهـ. وهذا يرد على من عده في جملة المجاهيل الجهالة العينية، كما هو مفهوم من ترجمة عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي.
(يتبع إن شاء الله…).
(*) - بل أدى بهم عدم معرفتهم بهم أحيانا إلى انتقاصهم على قاعدة من جهل شيئا عاداه، (أنظر تفصيله في مقدمة بحث ما انفرد به المغاربة في الحديث وعلومه).
¥