تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يعني السخاوي بقوله هذا، أن تصحيح الحديث أو تعليله بناء على معرفة ما يحيط به من القرائن يصعب على المتأخرين، بخلاف المتقدمين لتبحرهم في علم الحديث وتوسعهم في حفظه.

وقال الحافظ العلائي بعد أن سرد آراء الفقهاء وعلماء الأصول حول مسألة زيادة الثقة:" كلام الأئمة المتقدمين في هذا الفن كعبد الرحمن بن مهدي ويحي بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل و البخاري وأمثالهم يقتضي أن لا يحكم في هذه المسألة ـ يعني زيادة الثقة ـ بحكم كلي، بل عملهم في ذلك دائر على الترجيح بالنسبة إلى ما يقوى عند أحدهم في حديث حديث" 7.

وقال الحافظ ابن حجر في المناسبة نفسها:" والمنقول عن أئمة الحديث المتقدمين كعبد الرحمن بن مهدي ويحي القطان وأحمد بن حنبل و يحي بن معين وعلي بن المديني والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم والنسائي الدارقطني وغيرهم اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة وغيرها، ولا يعرف عن أحد منهم قبول الزيادة " 8.

وهذه النصوص واضحة وجلية في مدى احترام أئمتنا فكرة التفريق بين المتقدمين والمتأخرين في مجال الحديث وعلومه، وشعورهم العميق بالفوراق العلمية الأخذة في تبلورها بينهم بقدر كبير في معالجة مسائل علوم الحديث، تنظيراً وتطبيقاً.

كما أن هذه النصوص تحمل إشارة واضحة إلى أن كلمة " المتقدمين " يقصدون بها نقاد الحديث، باستثناء المعروفين منهم بالتساهل في التصحيح: كابن خزيمة وابن حبان والحاكم. بينما يعنون بالمتأخرين غير النقاد ممن كان يقبل الأحاديث ويردها بعد الدارقطني، من الفقهاء وعلماء الكلام وغيرهم ممن ينتهج منهجهم، أو يلفق بينه وبين منهج المحدثين النقاد، كما هو جلي من سياق كلام الحافظ العلائي والحافظ ابن حجر، إذ إن تعقيبهما الذي نقلته آنفا كان بعد سرد آراء علماء الطوائف ـ وهم الفقهاء، وعلماء الكلام والأصول، وعلماء الحديث حول مسألة زيادة الثقة. ولذلك ينبغي أن يكون الحد الفاصل بينهم منهجياً أكثر من كونه زمنياً.

هذا وقد كان استخدام لفظتي " المتقدمين والمتأخرين " مألوفاً في كتب مصطلح الحديث وغيرها، مما يبرهن به على وجود تباين بينهم في استخدام المصطلحات عموماً، الأمر الذي يفرض على الباحث في علوم الحديث أن يأخذ ذلك بعين الاعتبار عند شرح المصطلحات والنصوص ذات الطابع النقدي، لا سيما في الأنواع التي توسعت مفاهيمها وضوابطها في العصور المتأخرة، كطرق التحمل والأداء، والجرح والتعديل.

وأيضا أخي ماذا تقول في قول السخاوي ((ولذا كان الحكم من المتأخرين عسرا جدا، وللنظر فيه مجال، بخلاف الأئمة المتقدمين الذين منحهم الله التبحر في علم الحديث والتوسع في حفظه كشعبة والقطان وابن مهدي و نحوهم وأصحابهم مثل أحمد وابن المديني وابن معين وابن راهويه وطائفة، ثم أصحابهم مثل البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي، وهكذا إلى زمن الدار قطني والبيهقي، ولم يجئ بعدهم مساو لهم ولا مقارب"

ـ[محمد بن عبدالله]ــــــــ[14 - 09 - 05, 12:46 ص]ـ

أرجو أن تسمحوا لي بهذه الكلمات ..

أولاً: أنا أحييك أخي الكريم (البريقي) على أسلوبك الهادئ في إدارة حوار هذه المسألة الشائكة، وإن كنت ازددت حدةً في الآخر، لكن هذا أفضل كثيرًا من رفض التفريق جملةً وتفصيلاً دون نقاش، على أنني أفضّل استمرار النقاش الهادئ.

ثانيًا: إن سمحت لي أن أوضح بعض النقاط، فسأكون لك شاكرًا:

الأولى: لا يشك العاقل أن مؤسس الشيء، وراعي أول لبناته، أخبرُ به وأعرف، فما من منتَج إلا وله أسرار، لا يعرفها إلا صانعه.

وهكذا العلوم، الأئمة الذين وضعوا أسسها، وبنوا أول بنائها، أعلم بها، وأكثر قدرةً على معرفة أسرارها وكنهها.

ومن ذلك علم الحديث، فإننا نعلم أن أول مقيمي هذا العلم، ومؤسسيه، والذين أرسوا قواعده، ووضعوا مصطلحاته، هم الأئمة الذين عاشوا عهد الرواية، وعرفوا ذلك، وعرّفوه الناس، وبينوا ووضحوا.

قال الذهبي في الموقظة: (وهذا في زماننا يعسر نقده على المحدث فإن أولئك الأئمة كالبخاري وأبي حاتم وأبي داود عاينوا الأصول وعرفوا عللها، وأما نحن فطالت علينا الأسانيد وفقدت العبارات المتيقنة)، وأقول: فكيف بنا في عصرنا هذا؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير