تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الثانية: لا يشك العاقل أيضًا أن الذي يأتي بعد مؤسس الشيء، لا بد أن يكون له لمسات عليه، وإضافات، وتوضيحات، وما إلى ذلك، فالعلوم نَمَت صغيرةً، وكان ذلك في عهد تأسيسها، وما زالت تكبر مع العهود حتى وصلت إلى ما وصلت إليه.

وعلم الحديث كان في الأول صغيرًا، ونمى وكبر، وزاد عليه من أتى بعد مؤسسيه، ووضحوه وفصلوه.

الثالثة: من الخطأ الكبير على الدعوة إلى منهج الأئمة المتقدمين: اعتقادُ أن أهل تلك الدعوة ينبذون أحكام المتأخرين، ولا يلقون لها بالاً، ولا يعيرونها اهتمامًا، ويتركونها. فإنك لا ترى بحثًا سائرًا على ذلك المنهج إلا ويستشهد بابن الصلاح، وبابن رجب، وبابن حجر، وبالذهبي، وبالعراقي ... إلخ. وليست الدعوة إلى منهج الأئمة المتقدمين نبذًا للمتأخرين، معاذ الله، ومن قال ذلك عن هذه الدعوة، فقد أخطأ في حقها.

الرابعة: المراد بالدعوة إلى منهج الأئمة المتقدمين: الدعوةُ إلى الاهتمام بأحكامهم، وأقوالهم، وترجيحاتهم، واحترام ذلك، وتوقيره.

وأما كلام من جاء بعدهم، فيحترم، ويوقر، ويؤخذ به، ويُحتج، لكن إذا اختلف قول المتقدمين والمتأخرين: قُدّم قول المتقدمين، لأنهم - كما تقدم في النقطة الأولى - أعرف بهذا العلم، وأخبر به، وأعلم.

قال ابن رجب: "فضبط ما روي عنهم - يعني علماء السلف - في ذلك أفضل العلوم مع تفهمه وتعقله والتفقه فيه، وما حدث بعدهم من التوسع لا خير في كثير منه، إلا أن يكون شرحاً لكلام يتعلق بكلامهم، وأما ما كان مخالفاً لكلامهم فأكثره باطل أو لا منفعة فيه، وفي كلامهم في ذلك كفاية وزيادة، فلا يوجد في كلام من بعدهم من حق إلا وهو في كلامهم موجود بأوجز لفظ وأخصر عبارة، ولا يوجد في كلام من بعدهم من باطل إلا وفي كلامهم ما يبين بطلانه لمن فهمه وتأمله، ويوجد في كلامهم من المعاني البديعة والمآخذ الدقيقة ما لا يهتدي إليه من بعدهم ولا يُلمّ به، فمن لم يأخذ العلم من كلامهم فاته ذلك الخير كله مع ما يقع في كثير من الباطل متابعة لمن تأخر عنهم ويحتاج من جمع كلامهم إلى معرفة صحيحه من سقيمه وذلك بمعرفة الجرح والتعديل والعلل" ا. هـ (فضل علم السلف على علم الخلف لابن رجب، ص 85).

وقال ابن حجر - رحمه الله - في نكته على ابن الصلاح بعد كلام له حول تعليل القدماء لبعض الأحاديث: "وبهذا التقرير يتبين عظم موقع كلام الأئمة المتقدمين وشدة فحصهم وقوة بحثهم وصحة نظرهم وتقدمهم بما يوجب المصير إلى تقليدهم في ذلك والتسليم لهم فيه".

وهذا كلام خبير عارف مارس كلام المتقدمين وعرف قدره ودقته، وهو على حفظه وعلو كعبه وهو ممن أرسى علوم مصطلح الحديث وأبدع وأتقن الكلام فيها يقول هذا الكلام النفيس، فما بالك من أهل زماننا في وقت ضعف فيه الحفظ وانعدم الضبط أو كاد؟

وأقوال الأئمة من المتأخرين - رحمهم الله - في التسليم للمتقدمين معروفة مشهورة.

ولا ضير أبدًا من ترجيح قول المتأخر على قول المتقدم، إن كان بدلائل واضحة، وأسباب مقنعة، وعلى هذا سار الداعون إلى منهج المتقدمين في بحوثهم، وهذا ظاهر.

الخامسة: مما سبق، ينتفي ظن الظانّ أن الدعوة إلى نهج المتقدمين، شقاق، وتفريقٌ للأمة، وتخريب للوحدة، إذ علماء الأمة محترمون جميعًا، ومقدّرون كلهم، وإنما نُقدم قول بعضهم على قول الآخرين، ونرجح قول الأوائل على قول الأواخر، لأن الأوائل أعلم بصنعتهم، لا لأن الأواخر لا علم لهم.

السادسة: القول ببدعية التقسيم تحتاج دليلاً، ويتضح مما سبق أن هذا التقسيم ليس إحداثًا في دين الله ما ليس منه، ولا فعل شيء كان يمكن أن يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله، وليس بخروجٍ على شرع الله، فلا أدري ما وجه جعله بدعةً، ولا أدري - أيضًا - هل يعتبر من قال بذلك ابنَ رجب، أو الذهبيَّ، أو ابن حجر، أو السخاوي، هل يعتبرهم مبتدعة، لأنهم - كما في نصوصهم الواضحة - يفرقون بين متقدم الأئمة ومتأخرهم؟؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير