شرعية؛ أقول: إن كان هذا معناها أفليس من البعيد أن يقتصر أبو حاتم في وصف هذين الراويين الضعيفين بحسن الأداء المراد به هذا المعنى الأخير الموهِم، ويهمل جانب التجريح والتعديل الذي كان هو وابنه يحرصان عليه في كتاب ابنه أشد الحرص وأكمله؟! ثم هل عُلم أن هذين الراويين كانا حسني الأداء حقاً؟ وبعد ذلك ألا يوهم وصف الراوي بحسن الداء مع الاقتصار على ذلك أنه قوي في الجملة، وذلك خلاف وصف الراويين المذكورين؟
والحاصل أنه يبعد جداً أن يريد أبو حاتم بـ (مؤَدٍّ) حسن الأداء سواء كان معناها تقوية الراوي أو جودة طريقته في الإِسماع.
بقي أن أقول: إنه قد يقال: (لعل كلمة (لم يكن بحافظ) أراد بها ابن أبي حاتم تضعيف الراوي أو تضعيفه الشديد وأن أباه إنما قال في ابن أبي ليلى وفي سعد بن سعيد: (مُوْدٍ) بمعنى ضعيف أو هالك؛ وأما ما وقع من ضبط لفظة أبي حاتم هذه في النسخ التي ضبطَتها بالتشديد فإننا لا ندري ما مستنده؛ وبهذا يتم التوفيق بين تفسير ابن أبي حاتم وتفسير ابن القطان).
فأقول: هذا الجمع لا يصح لأن تفسير ابن أبي حاتم لكلمة أبيه هذه في الموضعين المذكورين يعيِّن أن اللفظة كانت بالتشديد، فإنه قال في سعد: (--- يؤدي ما سمع) فاشتق هذا الفعل (يؤدي) من الأداء الذي اشتق منه أبوه اسم الفاعل (مؤد)، وهذا الذي لا يصح غيره في هذا السياق.
وقال في ابن أبي ليلى: (مؤدياً) ولو كان المراد (مودٍ) فالظاهر أنه ما كان ليزيد الياء والألف في آخرها؛ ويؤيد كونها بالتشديد أنه فسرها هنا بما فسرها به هناك أي في ترجمة سعد بن سعيد.
ثم قال الدكتور قاسم علي في معرض محاولة دفع التعارض المذكور: (وتفسيره مع تفسير ابن القطان وابن دقيق العيد يحمل على أن لفظة (حسن الأداء) كلفظة (حسن الحديث) أو (جيد الحديث) أو (صالح الحديث)، وهذه العبارات وأمثالها يوصف بها من كان صدوقاً سيء الحفظ (4)، والله أعلم).
وخلاصة المسألة أن من فسر كلمة (مؤدٍّ) كتفسير ابن أبي حاتم لها وهو عدم الحفظ فهو المصيب، وأن لفظة (مؤَد) – بالتشديد – هنا إنما يراد بها كون الرجل جريء على أداء كل ما عنده يهجم على الرواية من غير أن يتثبت فيما يرويه أو ينتقي ما يؤديه، فهو يحدث بما حفظه وبما لم يحفظه وبما صح وبما لم يصح؛ وأننا لا نقبل أن يقال في تفسيرها ما قاله المتأخرون من أن المراد بها حسن الأداء، إلا أن يدل على صحة هذا التفسير البرهان الواضح، فيقال حينئذ: كان أبو حاتم وابنه يشذان في هذا الاصطلاح، ولكن ما أبعد ذلك وأغربه. والله أعلم.
وأريد هنا أن استفسر من أهل العلم والتحقيق عن سر تفرد الإمام الجليل ابن القطان – على تأخره وبعد داره - بكثير من التفسيرات الغريبة لمصطلحات العلماء وبكثير من الفوائد والتنبيهات الخطيرة التي لم يسبقه إليها أحد فيما نعلم؟ أهي الجرأة أم التسرع والهجوم أم سعة الاطلاع والوقوف على ما لم يقف عليه الخطيب وغيره أم الحرص وكثرة التتبع والاستقراء أم الاعتماد على نسخ مغربية لتواريخ المحدثين فقدت فيما بعد، أم الاعتماد على نسخ بعض من فيهم كلام كمسلمة بن قاسم أم أمر آخر غير ما ذكر هنا؟
***********
(14)
(((الرواية بالمعنى)))
قال العلامة المعلمي في (الأنوار الكاشفة) (ص75 - 79): (أنزل الله تبارك وتعالى هذه الشريعة في أمة أمية، فاقتضت حكمته ورحمته أن يكفّلهم الشريعة ويكلفهم حفظها وتبليغها، في حدود ما تيسر لهم؛ وتكفل سبحانه أن يرعاها بقدرته ليتم ما أراده لها من الحفظ إلى قيام الساعة؛ وقد تقدم شيء من بيان التيسير (ص20 و21 و32).
ومن تدبر الأحاديث في إنزال القرآن على سبعة أحرف وما اتصل بذلك بان له أن الله تعالى أنزل القرآن على حرف هو الأصل، ثم تكرر تعليم جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم لتمام سبعة أحرف؛ وهذه الأحرف الستة الزائدة عبارة عن أنواع من المخالفة في بعض الألفاظ للفظ الحرف الأول بدون اختلاف في المعنى (5) فكان النبي صلى الله عليه وسلم يلقن أصحابه، فيكون بين ما يلقنه ذا وما لقنه ذاك شيء من ذاك الاختلاف في اللفظ، فحفظ أصحابه كلٌّ بما لُقن، وضبطوا ذلك في صدورهم ولقنوه الناس.
¥