تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال الذهبي في (السير) (8/ 336) في عبد السلام بن حرب: (قال علي بن المديني: وقد كنت استنكر بعض حديثه حتى نظرت في حديث من يكثر عنه فإذا حديثه مقارب عن مغيرة والناس، وذلك أنه كان عسراً فكانوا يجمعون غرائبه في مكان فكنت أنظر إليها مجموعة فاستنكرتها).

أقول: أراد أن الطلبة كانوا يجمعون غرائب عبد السلام ويأتون بها إليه ليسمعوها عليه وكانوا يقتصرون عليها في الغالب لعلمهم أنه عسر لا يوافقهم على الإكثار بل ربما امتنع أحياناً عن تحديثهم أصلاً، فاختاروا أن يسمعوا منه الغرائب والفوائد التي لا يجدونها عند غيره.

وهذا تنبيه عظيم جليل من إمام علم العلل – بحق – علي بن المديني وهو يقتضي التثبت في الحكم على من كان عسراً ولا سيما إذا كان مع عسره مكثراً من الحديث.

***********

(20)

(((صور من حرص المحدثين على العلم)))

قال الذهبي في (التذكرة) (1/ 54 - 56): قال مالك: بلغني أن سعيد بن المسيب قال: إن كنت لأسير الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد).

وقال فيها (2/ 570 - 571): (قال الخلال: وسمعت الحسن بن علي بن عمر الفقيه يقول: قدم شيخان من خراسان للحج، فقعد هذا ناحية معه خلق مستمل (9)، وقعد الآخر ناحية كذلك، فجلس الأثرم بينهما فكتب ما أمليا معاً).

وقال الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (18/ 281) و (تذكرة الحفاظ) (3/ 1141): (قال ابن الآبنوسي: كان الحافظ الخطيب يمشي وفي يده جزء يطالعه).

وقال الذهبي في (التذكرة) (3/ 955) في ترجمة الماسرجسي: (الحافظ البارع أبو علي الحسين بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن عيسى بن ماسرجس الماسرجسي النيسابوري صاحب المسند الأكبر----.

وقال الحاكم: هو سفينة عصره في كثرة الكتابة، ارتحل إلى العراق في سنة احدى وعشرين وأكثر المقام بمصر، وصنف المسند الكبير مهذباً معللاً في ألف جزء وثلاث مئة جزء، وجمع حديث الزهري جمعاً لم يسبقه اليه أحد، وكان يحفظه مثل الماء؛ وصنف الأبواب والشيوخ والمغازي والقبائل؛ وخرج على صحيح البخاري كتاباً وعلى صحيح مسلم، وأدركته المنية قبل الحاجة إلى إسناده (10)، ودُفن علم كثير بدفنه---.

وقال الحاكم في موضع آخر: صنف أبو علي حديث الزهري فزاد على محمد بن يحيى الذهلي؛ قال: وعلى التخمين يكون مسنده بخطوط الورّاقين في أكثر من ثلاثة آلاف جزء (11)، فعندي أنه لم يصنف في الإسلام مسند أكبر منه؛ وعقد أبو محمد بن زياد مجلساً عليه لقراءته وكان مسند أبي بكر الصديق بخطه في بضعة عشر جزءاً بعلله وشواهده فكتبه النساخ في نيف وستون جزءاً).

ومن أعظم صور حرص المحدثين على الطلب وجمع العلم ما تواتر من كثرة كتابة ابن معين للأحاديث؛ وأنه بلغ في ذلك الغاية وأربى، وأنا أذكر هنا جملة طيبة من أخبار هذا الأمر، غير قاصد الاستيعاب ولا مشترط الاستيفاء؛ فأقول:

أسند الخطيب في (تاريخه) (14/ 182) إلى أبي الحسن بن البراء قال: سمعت علياً [يعني ابن المديني] يقول: لا نعلم أحداً من لدن آدم كتب من الحديث ما كتب يحيى بن معين).

وقال ابن سعد في (طبقاته) (7/ 334) يصف ابن معين: (وقد كان أكثر من كتاب الحديث وعرف به، وكان لا يكاد يحدث).

وأسند ابن عدي في (الكامل) (1/ 123 و160) إلى أحمد بن عقبة قال: سألت يحيى بن معين: كم كتبت من الحديث يا أبا زكريا؟ قال: كتبت بيدي هذه ستمئة ألف حديث؛ قال أحمد [بن عقبة]: وإني لأظن أن المحدثين قد كتبوا له بأيديهم ستمئة الف [وستمئة الف]. انتهى، والزيادة الأخيرة من (تاريخ الخطيب) (14/ 182) فإنه ساق الحكاية من طريق ابن عدي.

وأسند ابن عدي (1/ 124) إلى يحيى بن معين قال: (صاحب الانتخاب يندم، وصاحب النسخ لا يندم).

قلت: الانتخاب هو أن يختار الطالب أشياء من حديث الشيخ فيأخذها عنه دون بقية الأحاديث؛ وأما النَّسْخ فأراد به نسخ جميع مرويات الشيخ أو جميع ما في الكتاب أو الجزء أو النسخة؛ أي لسماع ذلك على صاحبه.

وأسند ابن عدي (1/ 124) إلى يحيى بن معين قال: (وأيّ صاحب حديث لا يكتب عن كذاب ألف حديث؟!).

وقال المزي في (تهذيب الكمال) (31/ 549): (وروي عن يزيد بن مجالد المعبر قال: سمعت يحيى بن معين يقول: إذا كتبت فقمش وإذا حدثت ففتش).

وأسند ابن عدي (1/ 124) إلى يحيى قال: (أشتهي أن أقع على شيخ ثقة عنده بيت مليء كتباً اكتب عنه وحدي).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير