تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فصار علم هؤلاء جميعاً إلى يحيى بن معين).

وانظر (الكامل) لابن عدي (1/ 123) و (المحدث الفاصل) للرامهرمزي (ص614 - 620)، وأول القسم المطبوع من (علل ابن المديني)، و (تذكرة الحفاظ) (1/ 360).

وقد وردت هذه الحكاية في بعض المصادر دون ذكر ابن معين، كما في رواية ابن أبي حاتم؛ ولكنها قد وردت في بعض الروايات عن علي بن المديني كما تقدم النقل من (تاريخ بغداد).

قال ابن حجر في (تهذيب التهذيب) (11/ 248): (وقال علي بن أحمد بن النضر عن ابن المديني: انتهى العلم إلى يحيى بن آدم، وبعده إلى يحيى بن معين. وفي رواية عنه: انتهى العلم إلى ابن المبارك، وبعده إلى ابن معين؛ وقال صالح جزرة: سمعت ابن المديني يقول: انتهى العلم إلى ابن معين؛ وقال أبو زرعة الرازي، وغيره، عن علي: دار حديث الثقات على ستة، ثم قال: ما شذ عن هؤلاء يصير إلى اثني عشر، ثم صار حديث هؤلاء كلهم إلى ابن معين؛ قال أبو زرعة: ولم ينتفع به لأنه كان يتكلم في الناس، ويروى هذا عن علي من وجوه).

قلت: الظاهر أن أبا زرعة أراد أن الناس لم ينتفعوا – إلا قليلاً – بما كتبه ابن معين من الأحاديث، لأنه لم يتفرغ لأدائها بسبب انشغاله بالتجريح والتعديل أو غير ذلك.

فإن كان هذا هو مراد أبي زرعة فالأمر واضح لا إشكال فيه؛ وأما أن يكون قد أراد أن الناس لم ينتفعوا بعلمه أصلاً، ومنه علم الجرح والتعديل؛ فهذا يبعد جداً أن يقوله رجل من أئمة النقد كأبي زرعة، وعلى تقدير أنه أراد ذلك فيكون توجيهه بأن يقال: إنه إنما قال هذا نفياً للانتفاع الكامل اللائق بحال الإمام يحيى ومنزلته العظيمة في المعرفة بالرجال والحديث؛ لا نفياً لأصل الانتفاع؛ أو أراد نفي الانتفاع الذي هو مثل انتفاع الناس بعلم بعض أقران يحيى من الأئمة كأحمد، أو أراد نفي الانتفاع الجيد المتوقع في زمانه، وأما بعد ذلك فقد انتفع علماء الحديث بعلم الإمام ابن معين انتفاع الظمآن بالمورد العذب المعين؛ وهل الاعتماد في هذا الباب إلا عليه وعلى شيوخه وأقرانه وتلامذته؟

***********

(19)

(((معنى العسر في الرواية ووجوب التأني في الحكم على من كان عسراً من الرواة)))

العُسْرُ هو الامتناع من الرواية إلا لأفراد مخصوصين، أو لأحاديث يسيرة، أو في أوقات قليلة، أو بشروط صعبة، أو عند إلحاح؛ أو غير ذلك.

كان فريق من المحدثين يمتنعون من التحديث إلا في حالات قليلة أو نادرة أو إلا بشروط تضيق بسببها مروياتهم ويصعب الانتفاع بهم على كثير من الطلبة، ولا سيما الغرباء، ولهذا الصنف من المحدثين أخبار في هذا الباب وقصص ولطائف وغرائب.

قال المعلمي في (التنكيل) (ص445) في ترجمة ابن المذهب: (وقال شجاع الذهلي: (كان عسراً في الرواية وسمع الكثير، ولم يكن ممن يعتمد عليه في الرواية، كأنه خلط في شيء من سماعه)، وقال السِّلفي: (كان مع عسره متكلماً فيه-----)؛ والعَسِرُ في الرواية هو الذي يمتنع من تحديث الناس إلا بعد الجهد، وهذه الصفة تنافي التزيد ودعوى سماع ما لم يسمع، إنما يدعي سماع ما لم يسمع من له شهوة شديدة في ازدحام الناس عليه وتكاثرهم حوله؛ ومن كان هكذا كان من شأنه أن يتعرض للناس يدعوهم إلى السماع منه ويرغبهم في ذلك؛ فأما من يأبى التحديث بما سمع إلا بعد جهد فأي داع له إلى التزيد؟). انتهى كلام المعلمي.

وكان كثير من الطلاب – ولا سيما الغرباء الذين تضطرهم الأمور أحياناً إلى تقصير الرحلة، أو الكتابة عن بعض محدثي البلدة دون غيرهم، أو سماع بعض الأحاديث دون غيرها – ينتقون على هؤلاء غرائبهم إيثاراً لها على ما سواها وتقديماً لها على غيرها، فتنتشر غرائب ذلك المحدث أكثر من بقية حديثه؛ وبسبب هذا قد يرى الناقد عند أول نظره فيما اشتهر من أحاديث ذلك الشيخ أنه كثير الغرائب، وأن الغالب على مروياته التفرد والإغراب، فيغمزه بسبب ذلك أو يتوقف عن توثيقه مع أنه ثقة أو صدوق.

ولذا ينبغي التأني في نقد من وصف بالعسر في الرواية.

قال الخطيب في (الجامع) (2/ 155): (إذا كان المحدث مكثراً وفي الرواية متعسراً فينبغي للطالب أن ينتقي من حديثه وينتخبه؛ فيكتب عنه ما لا يجده عند غيره ويتجنب المعاد من رواياته؛ وهذا حكم الواردين من الغرباء الذين لا يمكنهم طول الإقامة والثواء).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير