(ومنها [يعني الأمور المانعة من قبول الجرح] أن يكون الجارح من المتعنتين المشددين فإن هناك جمعاً من أئمة الجرح والتعديل لهم تشدد في هذا الباب فيجرحون الراوي بأدنى جرح ويطلقون عليه ما لا ينبغي إطلاقه عند أولي الألباب [!!!!!]، فمثل هذا الجارح توثيقه معتبر وجرحه لا يعتبر إلا إذا وافقه غيره ممن ينصف ويعتبر [!!!] فمنهم أبو حاتم والنسائي وابن معين وابن القطان ويحيى القطان وابن حبان وغيرهم فإنهم معروفون بالإسراف في الجرح [!!!] والتعنت فيه. فليتثبت العاقل [!!!] في الرواة الذين تفردوا بجرحهم وليتفكر فيه).
وأنا لا أحب أن أفصل القول على هذه العبارات التي إن عذرناه في ركتها وبرودتها بسبب عجمته فلن نعذره في بعدها عن الصواب وواضح الدليل ولا في شدة منافرتها لقواعد هذا العلم الجليل، وهي دالة على حقيقة منزلة قائلها في هذا الفن وأنه من أهل الإسراف في نقد الأئمة. أوَلم يشعر بالتناقض بين وصفه لهم بالأئمة ثم قوله ان جرحهم غير معتبر ثم إشارته إلى أنهم لا ينصفون ولا يعتبرون؟!
كيف يكون من هذه صفته إماماً، ومن كان إماماً في علم فكيف لا يؤخذ بقوله الذي لا يخالفه فيه من هو مثله أو فوقه في ذلك العلم؟ وهل معنى الإمامة إلا ذلك؟
إن الحق في حق هؤلاء الأئمة الجهابذة الذين وصفوا بالتشدد هو ما قاله فيهم الجهابذة أيضاً وما دل عليه عملهم من أنهم أئمة يحتج بكلام كل منهم ما لم يخالفه غيره ممن هو مثله أو فوقه سواء انفرد به أم لم ينفرد؛ فإذا اختلفوا رجح بين أقوالهم من جاء بعدهم من النقاد، والله يهدي طالب الحق في هذه المسائل إلى الحق – وهو الغالب – أو إلى ما يقاربه.
إن يحيى القطان وغيره من أئمة الجرح والتعديل الذين وصفهم الذهبي أو ابن حجر – في بعض كتبهما وحيث يلجئهما إلى التصريح بذلك في الغالب المقارنة بين المناهج أو الدفاع عن بعض رجال الصحيحين - بالتشدد أو التعنت، هم بلا ريب أعلم أهل الأرض بأحوال الرواة ومروياتهم، وهو أتقى وأورع وأبصر وأفقه من أن يتكلموا في الناس بالهوى والتشهي أو يبالغوا في الطعن والجرح بغير حجة، وقد أثنى أئمة الجرح والتعديل من تلامذتهم وأقرانهم وبعض مشايخهم على علمهم ثناءً كبيراً دالاً على اعتدالهم أو – على الأقل - كافياً لنفي التشدد الكثير عنهم؛ بل إنه ليظهر من بعض عباراتهم أنهم يعدون هذا التشدد اليسير الذي كان عند بعضهم من مناقبهم وكمال علمهم.
وقد ورد من ثناء الأئمة على هؤلاء الأئمة ما يدل على كمال احتفالهم بأقوالهم وكثرة اعتمادهم عليها انفردوا بها أو توبعوا عليها وأنهم حين وصفوا بعضهم بالتشدد ونحوه لم يريدوا بذلك ما ادعاه أو فهمه اللكنوي ولا بعضه.
وانظر في ترجمتي يحيى بن سعيد القطان ويحيى بن معين - وهما ممن تكلم في علمهم اللكنوي!!! - من سير أعلام النبلاء وتذكرة الحفاظ وتهذيب الكمال وتهذيبه ما قاله الأئمة في علم هذين الإمامين بالحديث والرجال ليتبين لك وهاء قوله وشدة بعضه.
بل أزيد على هذا الذي تقدم من الرد على اللكنوي ومن قلده فأقول: قد وصف بعض العلماء المتقدمين أو بعض المعاصرين المحققين البارعين بعض هؤلاء بشيء من تساهل كما يأتي في موضعه من هذه السلسلة إن شاء الله تعالى.
(78)
الرجوع عن الأحاديث المنكرة
قال الخطيب في (الكفاية) (1/ 118): (قرأت على الحسن بن على الجوهري عن محمد بن عمران المرزباني قال ثنا محمد بن مخلد قال سمعت جعفر بن احمد بن سام أبا الفضل وكان من عقلاء الرجال يذكر عن حسين بن حبان قال: قلت ليحيى بن معين: ما تقول في رجل حدث بأحاديث منكرة فردها عليه أصحاب الحديث إن هو رجع عنها وقال: ظننتها فأما إذ أنكرتموها ورددتموها عليَّ فقد رجعت عنها؟
فقال [يحيى]: لا يكون صدوقاً أبداً، إنما ذلك (8) الرجل يشتبه له الحديث الشاذ والشيء فيرجع عنه فأما الأحاديث المنكرة التي لا تشتبه لأحد فلا فقلت ليحيى: ما يبرئه؟ قال: يخرج كتاباً عتيقاً فيه هذه الأحاديث فإذا أخرجها في كتاب عتيق فهو صدوق فيكون شبه له فيها وأخطأ كما يخطىء الناس فيرجع عنها قلت فان قال قد ذهب الأصل وهى في النسخ؟ قال: لا يقبل ذلك منه، قلت له: فإن قال: هي عندي في نسخة عتيقة وليس أجدها؟ فقال: هو كذاب أبداً حتى يجىء بكتابه العتيق، ثم قال: هذا دين لا يحل فيه غير هذا).
(79)
اصطلاح دخيل
¥