الرابع: معرفة ما قيل في كل راو من جرح وتعديل أو ما يتعلق بذلك كالصحبة والجهالة؛ ثم تلخيص ذلك والحكم على الراوي بما يقتضيه النظر في تلك الأقوال أو النظر فيها وفي مروياته.
والأصل في هذه المعرفة كتب الجرح والتعديل.
الخامس: دراسة ما يتعلق بالأسانيد من حيث الاتصال والانقطاع.
والأصل في هذه الدراسة كتب الاتصال والانقطاع، كالمراسيل لابن أبي حاتم وجامع التحصيل للعلائي وتحفة التحصيل في رواة المراسيل لأبي زرعة العراقي وطبقات المدلسين لابن حجر وغيرها؛ وفي كتب العلل والتواريخ والجرح والتعديل كثير من بيان الانقطاع بين الرواة مطلقاً أو مقيداً بروايات معينة.
السادس: النظر في القدر المشترك بين الروايات والطرق، وفيما خرج عن ذلك القدر مما يقع في الطرق من اختلافات وزيادات في الأسانيد والمتون؛ ثم الحكم على ذلك القدر المشترك وعلى كل زيادة أو نقص في السند أو المتن بحسب ما تقتضيه صفات تلك الطرق من الأحكام.
وهذا موضع اجتهاد الباحث وميدان تطبيق ما عنده من المعرفة بهذا الفن وتفاصيله، وحسن اختياره وترجيحه بين أحكام من تقدمه؛ ولكن ما أصعب التمكن من ذلك وما أبعده عمن قلت ممارسته وقصرت مدارسته.
ومن ثمرات هذا كله ظهرت كتب النوع التالي من موضوعات علم الحديث، وهو:
السابع: التخريج ونقد الأحاديث، وهذا النوع قديم جداً في تأسيسه وأصوله ثم في فروعه؛ وأما ظهور مؤلفاته المتخصصة المتوسعة المكتوبة على نحو طريقة كتب التخريج المعروفة في هذه الأعصر فقد كان ذلك على أيدي المتأخرين؛ وإن من أقدم من ألف في هذا الباب الرافعي ثم ابن الصلاح ثم النووي ثم اشتهر فن التخريج بعد ذلك؛ واليوم يعد هذا الفن من أبرز العلوم الشرعية التي يعنى بها كثير من الباحثين.
وكان عند المتقدمين نوع من الكتب يشبه كتب التخريج في الوقت الحاضر؛ وهي أنواع منها هذه الأنواع الثلاثة:
الأول: كتب العلل، كالعلل لابن أبي حاتم، والعلل للدارقطني.
الثاني: الكتب التي تتكلم على الأحاديث نقداً وشرحاً كما فعل ابن عبد البر في كتابه (التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد).
الثالث: كتب المستخرجات التي توسع أصحابها في إيراد طرق أحاديثها؛ وسيأتي شرح معنى المستخرجات.
إن كثرة الكتب في الأبواب المتقدمة وطول مطالعتها أحوج أهل هذا العلم وطلابه وغيرهم إلى النوعين التاليين من أنواع موضوعات علم الحديث؛ وهما:
الثامن: تقريب الرجوع إلى هذه الكتب على اختلاف أنواعها فقام العلماء والباحثون بعمل الفهارس ونحوها ككتب الأطراف (1).
التاسع: تسهيل الوقوف على مجموعة من كتب فن من الفنون – أو على أهم مقاصدها - في كتاب واحد.
وذلك بتصنيف الجوامع في كل فن كالكتب التي تجمع بين الصحيحين أو الكتب الخمسة أو الستة أو كتب الزوائد سواء كانت جامعة كمجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي أو الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي، أو خاصة كمصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه للبوصيري.
ومما يدخل في كتب هذا النوع التاسع أو يشبهه ما ظهر قديماً من الاختصار لتقريب العلم على الطالب المبتدئ وعلى غير المتخصص كالعابد والمتفقه والداعية وغيرهم؛ فظهرت كتب المتون المختصرة كعمدة الأحكام للمقدسي ومنتقى الأخبار لابن تيمية الجد، ورياض الصالحين للنووي وبلوغ المرام لابن حجر واللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان لمحمد فؤاد عبد الباقي؛ فهذه الكتب ونحوها إما أن تعد ضمن كتب النوع التاسع المتقدمة، أو تكون نوعاً عاشراً مستقلاً؛ وهي المختصة بجمع واختصار المتون الحديثية وترتيبها وتقريبها للدارسين والعاملين.
وبعد كل هذا فلا بد لهذا العلم كغيره من العلوم أن يكون له إضافة إلى ما تقدم جناحان أو ركنان:
الركن الأول: قواعده ومصطلحاته، ولبيان القواعد والمصطلحات ألفت كتب المصطلح؛ ويلتحق بها ما صنفوه في آداب المحدث والطالب.
ويدخل في هذا الصنف من الكتب دراسات مناهج المحدثين.
الركن الثاني: أن يكون له تأريخه وفيه ألفت كتب مناقب المحدثين وفضائل الحديث وأهله وطبقات المحدثين وسيرهم، وجملة مما في تلك الكتب داخل في كتب الجرح والتعديل أو ملتحق بها. ويلتحق بهذا النوع من الكتب ما ألف في الدفاع عن الحديث وأهله ضد أعدائه من الكفار وأهل البدع.
¥