الكتب التي تعنى بالضبط كثيرة ومتنوعة ولكن أكثرها غير مختصة بهذا الموضوع وإنما تقوم بشيء من الضبط مع وظائفها الأخرى الأساسية؛ فإنك تجد كثيراً من الضبط في كتب التراجم والجرح والتعديل كتهذيب التهذيب وفروعه، وكذلك في كتب اللغة مثل لسان العرب وتاج العروس وغيرهما، وفي كتب الشروح بل هذا الجانب فيها واضح جداً. وفي كتب التاريخ كوفيات الأعيان لابن خلكان؛ لكن ثم كتب مختصة بالضبط مثل (صيانة صحيح مسلم عن السقط والإسقاط وحمايته من الوهم والأغلاط) لإمام أبي عمرو بن الصلاح. ومثل مشارق الأنوار على صحاح الآثار للقاضي عياض، وهو في تقييد وضبط ما وقع - أو يحتمل أن يقع - فيه لبس أو إشكال أو اختلاف، أو نحو ذلك من الأسماء والألفاظ الواردة في الموطأ والصحيحين، وهو مبوب على الحروف على ترتيب أهل المغرب؛ وهو كتاب جم المنافع غزير الفوائد.
ومثل (المغني في ضبط رجال الصحيحين).
وللضبط طرق كثيرة أذكرها في موضعها من هذا الكتاب.
كتب الرجال
وأما كتب الرجال فهي الكتب التي تُعنى بتعيين الرواة بتحرير أسمائهم وكناهم وأنسابهم ونحوها ودفع ما قد يقع من الاشتباه في ذلك وبيان أحوالهم في الرواية من حيث القوة والضعف وكذلك أحوال رواياتهم من حيث الاتصال والانقطاع بينهم وبين من فوقهم أو دونهم في الأسانيد؛ ويأتي التفصيل في موضعه.
كتب التخريج
هي الكتب التي تعنى بالكلام على الأحاديث ببيان من روى الحديث من أصحاب الكتب أو بعضهم، مع بيان مرتبة ذلك الحديث من حيث القوة والضعف، في أحيان كثيرة أو قليلة.
كتب المصطلح
وأما كتب المصطلح فأصل موضوعها ذكر قواعد المحدثين وشرحها وتقريرها وذكر اصطلاحاتهم وإيضاحها وتحريرها، ولكن يقع في أكثرها - كغيرها من كتب الأصول والقواعد في العلوم الأخرى - من التقصير بإغفال طرف من هذه المقاصد أو التطويل بما هو خارج عنها ما يقع (27)؛ فالموضوع الرئيس لعلم الحديث هو تمييز مقبول الأحاديث من مردودها، ولكنك ترى في كتب المصطلح مسائل أخرى غير داخلة في صلب هذا المقصد والأمر في ذلك يسير، قال طاهر الجزائري في (توجيه النظر) (1/ 80): (وأما ما يقال من أن في هذا الفن مسائل لا تتعلق بالقبول والرد كآداب الشيخ والطالب ونحو ذلك فالخطب فيه سهل فإن أكثر الفنون قد يتعرض فيها لمباحث غير مقصودة بالذات غير أن لها تعلقاً بالمقصود فتكون كالتتمة وهو أمر لا ينكر) (28).
الموسوعات الحديثية
بقي نوع آخر من كتب الحديث وهو الموسوعات (29) الحديثية، والمراد بالموسوعة الكتاب الذي يكون شاملاً لجميع أو أهم مسائل ذلك الفن أو ذلك الباب بحيث يغني أو يكاد يغني عن الرجوع إلى مصادره ومراجعه (30)؛ وذلك كله بزعم واضعي تلك الموسوعات؛ فإنه لا استغناء عن كتب السلف، ولا يصح توحيدها والتلفيق بينها، ولكن يصح بل يحسن طبعها متسلسلة مجتمعة في كتاب واحد، وذلك من أجل تيسير مطالعتها على طلابها.
هذا وقد ظهرت موسوعات حديثية كثيرة، ولكنها كلها ناقصة غير كاملة؛ وهي أقسام:
القسم الأول: الموسوعات الحديثية القديمة المسندة:
وأعني بها المصنفات الواسعة جداً التي يروي فيها المصنف الأحاديث بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم كمسند أحمد وبقي بن مخلد ومعجم الطبراني الكبير والسنن الكبرى للبيهقي، أو إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى غيره صحابة وتابعين وغيرهم كمصنفي عبد الرزاق وابن أبي شيبة، و؛ ومن موسوعات الآثار غير المرفوعة حلية الأولياء لأبي نعيم وشعب الإيمان للبيهقي؛ ومن موسوعات التفسير تفسير الطبري وتفسير ابن أبي حاتم.
القسم الثاني: الموسوعات التجميعية المسندة:
وهي المصنفات الحديثية التي جمعها بعض علماء الحديث بعد القرن الخامس الهجري، معتمدين في ذلك على مصنفات المحدثين المتقدمين، أي أنهم يجمعون بغير أسانيد خاصة بهم.
ومن هذه الموسوعات: جامع المسانيد، للإمام ابن الجوزي (ت: 597هـ):
وهو كتاب غير مطبوع، ولكن قال الذهبي: (أودع فيه أكثر متون المسند، ورتب وهذب، ولكن ما استوعب) (31).
وقال في موضع آخر: (جامع المسانيد في سبع مجلدات، وما استوعب ولا كاد) (32).
وقال الكتاني: (جمع فيه الصحيحين، والترمذي، ومسند أحمد، رتبه أيضاً على المسانيد في سبع مجلدات) (33).
ومنها إتحاف الخِيَرَة المهَرة بزوائد المسانيد العشرة، للحافظ البوصيري (ت: 840هـ):
¥