تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا ويُمكننا القول: إنَّ فَنَّ المُسْتَخْرَجاتِ ماهو إلاَّ لَون مِن ألوان فنِّ التَّخريج انتعش وازدهر في القرنِ الثَّالث، واستمر في التَّطورِ حتَّى نهاية القرن الخامس. . ([8]) حيثُ شح إن لم نقل انعدمَ التَّصنيف لهذا النَّمط مِن أنماط المُصَنَّفات. . ولمَّا كان هذا اللَّون من المُصَنَّفات هو نوعٌ مِن أنواعِ عِلْم رواية النُّصوصِ عند المُسلمينَ، الذي يتميَّز بالحيويَّة والنَّشاط، والذي يتطلَّب مِن مؤلِّفِهِ بَرَاعة الاقتباس مِنَ المُصنَّفات المتقدِّمَة عليهِ، وَأن يسوق المادة بمهارةٍ فائقةٍ، وعقلٍ رياضيٍّ لا يقبل غير الصَّواب، فقد امتدَّ تأثيرهُ على لونٍ آخرٍ مِن ألوانِ فنِّ الرِّوَاية وهو علم معاجم الشُّيُوخِ والمشيخات ([9]) الذي كان الوارث لهذا النَّوعِ مِنَ المُصَنَّفاتِ الحديثيَّةِ والذي استوعبَ مداهُ، واستطاع أنْ يقومَ مقامهُ في توثيق النُّصوصِ وضبطها عند المُحَدِّثينَ.

إنَّ بحثنا الموجز هذا على صغر حجمه قد استطاعَ أن يثبتَ مدى اتِّساع الأفقِ عند المُحَدِّثينَ، لا سيما في فنِّ الرِّوَاية القائم على التَّجربة الواقعيَّةِ، القائمة على الدِّقَّة في التَّحَمُّلِ والأداء، والبعيدة عن التَّعبيرات الأدبيَّة، والمقومات البلاغيَّةِ. . فهي أشبه بالعمليات الحِسابية التي لا تقبل غير الصَّواب. . وكيف انتقلت المادة العِلْميَّة للمُسْتَخْرَجات لتحتويها كتب المشيخات القائمة على نمطِ تتبعِ الأسانيد للرِّواية الواحدة، والتي تكثرُ مِنَ الرِّوَايات المُشاركَةِ لهذهِ الرِّواية، والتي أصبحت سِجِلاً أميناً وثائقياً للعديدِ مِنَ المصادر، وكيف أنَّ منهجها ينطوي على الذَّكاء المفرطِ، والقدرة العالية التي يتمتع بها المُصَنِّفُونَ لِمثل هذهِ المعاجم والمشيخاتِ التي تتميز بالدِّقَّة العجيبةِ ويسودها الانتظام في بيان الإسناد العالي وأقسامه المُختلفةِ. .

وفي الختام أسأل اللَّه الكريم أن أكون قد وفِّقتُ في عرضي الموجز ([10]) هذا عن نشأة المُسْتَخرجات وتطورِها، إلى لَفَت الانتباه إلى فنِّ الرِّواية عند المُسلمينَ، وبراعتهم فيهِ، ومنهجم العظيمِ في توثيق النُّصوصِ وضبطها، الذي تميَّزَ بالابداعِ والأصالةِ، وهو يُمثلُ جزءاً أساسياً مِن تُراثنا الخالدِ الذي تفتقر إليه معظم الحضارات المادِّية القديمة منها والحديثة. . وَمِنَ اللَّهِ التَّوفيقَ وعليهِ التُّكلان، وهو حَسبنا فيما نكتبُ ونقول، وصلَّى اللَّهُ على سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ وسلَّم أجمعين.

وكتبه أفقر العباد

موفق بن عبدِ اللَّهِ

المبحث الأوَّل: تعريف المُسْتَخْرَجات

قال الإمامُ العِراقيُّ:

واستخرجوا على الصَّحيحِ كَأبي عَوَانةٍ ونحوهِ وَاجْتَنِب

عَزوكَ ألْفَاظ المتونِ

لَهُمَا إِذْ خَالفت لَفْظَاً ومعنى رُبَّمَا ([11]).

المُسْتَخرجُ لغةً: اسم مفعولٍ مُشتقٌ مِنَ الفعلِ استخرج المزيد مِنَ الثُّلاثي خَرَجَ، والخُرُوج نقيض الدُّخولِ، وخارجُ كلَّ شيءٍ ظاهرهُ، والاستخراج كالاستنباط ([12])، واستَخْرَجْتُ الشَّيءَ مِنَ المَعْدَنِ خَلَّصْتُهُ مِنْ تُرَابِهِ ([13]).

والمستخرج اصطلاحاً: هو كلُّ كتابٍ حديثيٍّ خُرِّجت أحاديثهُ وفق أحاديث أحد المُصَنَّفَاتِ بِأسانيد صاحبِ المُسْتَخْرَجِ، مِنْ غَيرِ طريقِ مُصَنِّفِ الكتاب المُسْتَخْرَجِ عليهِ، فيجتمعُ معهُ في شيخهِ، أو مَنْ فَوقهُ ([14]).

شرح التَّعريف: هذا التَّعريف استنبطتهُ مِن وصفِ الإمام العراقي لموضوع المستخْرَجِ قال الإمامُ العراقيُّ: المُسْتَخْرَجُ موضوعهُ: أن يَأتي المُصَنِّفُ إلى كتابِ البُخَارِيِّ، أو مُسْلِمٍ فيُخَرِّجُ أحاديثهُ بأسانيد لِنَفْسِهِ مِنْ غَيرِ طَريقِ البُخَارِيِّ، أو مُسْلِمٍ، فَيجتمعُ إسناد المُصَنِّف مع إسناد البُخَاريِّ أو مُسْلِمٍ في شيخهِ، أو مَنْ فَوقهُ ([15]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير