تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

- هذا لمن ذهب إلى أن العلة في ذلك الضرر وليس مطلق المرض وأن المقصود بقوله (مريض) أمران الأَول أن يكون متلبس بالمرض الثاني أنه يرجى زواله والبرء منه وقوله (عدة من أيام أُخر) ظاهر في أنه يقضى الأيام التي افطرها حال مرضه في وقت لاحق يكون فيه معافى ولا يتصور أن يكون عليه عدة من أيام أُخر إذا كان مرضه دائم (كالسكري) - وكون السفر والمرض عذران يبيحان الفطر في نهار رمضان والتنصيص عليهما في الاية هل هو من باب المثال أوالحصر؟ فيقال إنهما فردان في كلية الأعذار المبيحه للفطر

– ولكن هذا يتجاذبه أمران

الأَول /وهو إشتراك المرض في إمكانية ترك الأمر إما كلياً (كالصوم - للعاجز) وينقلونه للفدية التي هي عديل الصيام في وقت - وإما جزئياً (كالقيام في الصلاة) كلاً بحسبه، أو وقتياً (وهي حال المرض الذي يرجى برءه من غير إسقاط لأصل الحكم وهو (الصيام) من ذمته – أو إرتكاب المحظور (كأكل الميته) ولكن هاهنا تلمس امر وهو المشابه بين ترك الأمر للضرر (مثل ترك الصيام) وبين فعل المحظور للضرر مثل (اكل الميته)

الثاني/ أن المرض تجاذبه أمران 1 - نص الآية بإستباحة الفطر لمن كان به مرض 2 - القواعد الكلية في منع لحوق الضرر بالنفس

ثم هل التنصيص على المرض يعطيه نوع خصوصية فنقول هو رخصة كالسفر، فإذاً بجامع كونهما رخصة حالية من الله عز وجل كان لمن تلبس بأحدهما إتيان رخصة الله التي رخص لعبادة، فيقال قد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر وعندما ادرك القوم مشقة افطر ولما تخلف إناس قال (أولئك العصاة، اولئك العصاة)، فهذا يأخذنا لإعتبار الضرر لا مطلق المرض بدليل انه من صام وهو مريض اجزئه مع الكراهة عند البعض فهذا مثل هذا، وفيه وجه لمن قال إن الإفطار في السفر كان آخر الأَمرين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يرى أنه لا تخير في الأَفضلية للمسافر بين الصوم والإفطار وإن كان بعضهم يرى الأَفضل الصوم، لكن هل هناك بين فتح المجال للمسافر بين الإفطار وهي الرخصة وبين العزم على نفسه بالصوم فرق؟

ثم إن العلماء تكلموا عن السفر واقلهم حالاً من قال برده للعرف ومنهم من حد له حد معيناً كأربعة بُرد وقيل غير ذلك، فمنه يلزم حد المرض المانع لفعل الواجب بقول أهل الخبرة (الأطباء)

قال ابن قدامة كما في المغني (4/ 404) ط التركي والحلو: وحكى عن بعض السلف أنه اباح الفطر بكل مرض حتى من وجع الإصبع والضرس لعموم الايه فيه ولان المسافر يباح له الفطر وإن لم يحتج إليه فكذلك المريض، ولنا: انه شاهدٌ للشهر لايؤذيه الصوم فلزمه كالصحيح والايه مخصوصةٌ في المسافر والمريض جميعاً بدليل أن المسافر لا يباح له الفطر في السفر القصير والفرق بين المسافر والمريض أن السفر اعتبرت فيه المظنة وهو السفر الطويل حيث لم يمكن اعتبار الحكمة بنفسها، فإن قيل المشقة لا يبيح وكثيرها لا ضابط له في نفسه فاعتبرت بمظنتها وهو السفر الطويل فدار الحكم مع المظنة وجوداً وعدماً والمرض لا ضابط له فإن الأمراض تختلف منها ما يضر صاحبه الصوم ومنها ما لا اثر للصوم فيه كوجع الضرس وجرح الاصبع والدُّمل والقرحة اليسيرة والجرب واشباه ذلك فلم يصلح المرض ضابطاً وأمكن اعتبار الحكمة وهو ما يخاف منه الضرر فوجب اعتباره بذلك. انتهى

لكن هل يقال إن كلام ابن قدامة هنا: كأنه قام بإلغاء الرخصة واعتبار معنى توقي الضرر في البدن بضروريات الشريعة: قيل: لا إنما هذا بيان لحد المرض الذي معه تستباح الرخصة كما حد السفر الذي معه يستباح الفطر

بقي أن نقول لو ادرك المسافر مشقة بالغة لزمه الفطر فهل يكون قبل الرخصه أَم اخذاً بالنصوص العامة في توقي الضرر، الأَشبه الأَول والله اعلم

ثم إن السفر في الغالب ينتهى ويزول – ومثله كثير من الأَمراض – تزول وتذهب – [بإذن الله] وهذا معلوم، ولذا جعل بعض العلماء قسماً للمرض الذي يرجى زواله

ولمن تأَمل قوله تعالى ((فعدةٌ من أَيام أُخر)) أن ذلك لا يستتم لمريض حتى يبرأ ولا لمسافر حتى يقيم – وصيام النبي صلى الله عليه وسلم في سفره في رمضان نص يرد على الظاهرية في توهمهم نقل المريض والمسافر ومنع الصيام في رمضان وعدم إجزائه لو فعلوا إلى أيام أُخر

وانظر ما قال الشاطبي في الموافقات: إن الرخصة إضافية لا أصلية بمعنى أن كل احد في الأخذ بها فقيه نفسه مالم يحد فيها حدّ شرعي فيوقف عنده، وبيان ذلك أن سبب الرخصة المشقة والمشاق تختلف بالقوة والضعف وبحسب الأحوال وبحسب قوة العزائم وضعفها وبحسب الأزمان وبحسب الاعمال، وكثير من الناس يقوى في مرضه على ما لايقوى عليه الآخر فتكون الرخصة مشروعة بالنسبة لأحد الرجلين دون الآخر وهذا ما لا مِرْيَةَ فيه 0 انتهى

واعتبار الضرر هو المتجه ودليله – الكبير العاجز عن الصوم فهذا عذر ثالث وكان عذر مغاير لعذر السفر والمرض لذا تجد بعض اهل العلم يقول – لوسافر عاجز – بل انه يعايا (يلغز) بها عند الحنابلة فيقال مسلم افطر في رمضان لم يلزمه قضاء ولا كفارة وجوابه كبير عجز عن الصوم كان مسافراً. وكذلك المرضع والحامل فهاذان عذران رابع وخامس، فهذا يأخذنا لإعتبار المانع من فعل الواجب في اصله وهو الضرر وعليه ابن قدامه وصوره تختلف وفي هذا الصور يكون الضرر إما متيقن أو غلبة ظن ويجوز البناء على كلا الأَمرين وهذا (أي لحوق الضرر في المريض، والحامل، والمرضع، والشيخ الكبير ظاهر)

- ولو قيل السفر لا ضرر فيه؟ قلنا السفر كما بين ابن قدامة اعتبر فيه المظنة وهو السفر الطويل - هذا إذا قيل أن السفر لا تدركه مشقة، ولكن الغالب إدراك المشقة للمسافر - اخرج البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَوْمَهُ فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ سَفَرِهِ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ)

والله اعلم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير