[إقامة الحجة والبرهان على جواز التنكيس في القرآن]
ـ[طارق الحمودي]ــــــــ[14 - 09 - 07, 09:06 م]ـ
[إقامة الحجة والبرهان على جواز التنكيس في القرآن]
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد
فإن مما يثير العجب حقا أن تجد كثيرا من الناس يسارعون إلى عيب ما لا علم لهم به سوى قيل وقال دون بينة أو حجة أو برهان, كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كما في صحيح مسلم: (ما اسرع الناس إلى أن يعيبوا ما لا علم لهم به).
ومن هذه الأمور تنكيس سور القرآن في القراءة, أي قراءة سورة قبل أخرى خلاف ترتيبها في المصحف العثماني في نفس الركعة. وكنت أصبر غير آبه بإنكارهم لجهلهم, ثم وجدت الأمر يشتد , فبادرت إلى تأسيس أدلة المسألة , وبيان جوازها مستعينا بالله تعالى.
روى مسلم في صحيحه (772) عن حذيفة بن اليمان قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة , فقلت: يركع عند المائة,, ثم مضى, فقلت: يصلي بها في ركعتين, فمضى, فقلت: يركع بها, ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها ... )
وفي الحديث دلالة بينة واضحة على أنه يجوز قراءة سور القرآن غير مرتبة كما هي في المصحف العثماني المتداول بين أيدينا. وموضع الشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ النساء قبل آل عمران بدليل استعمال حذيفة لحرف (ثم) مع أن سورة آل عمران قبل سورة النساء في الترتيب العثماني!
ـ قال الشيخ الألباني في صفة الصلاة (الكتاب الأصل /ص500و501): هكذا هي الرواية , بتقديم (النساء) على (آل عمران) خلافا للترتيب العثماني عند جميع من أخرج الحديث , إلا رواية لأحمد , فذكر (آل عمران) ثم (النساء) , وهي من رواية أبي معاوية عن الأعمش , والرواية الأولى من رواية عبد الله ابن نمير وجرير, كلاهما , على أن مسلما قرن بهما رواية أبي معاوية ـ وكذا البيهقي ـ ولم يذكر خلافا بينهما في هذه الكلمة والله أعلم.
وأيما كان, فالرواية الأولى أصح, لاتفاق ثقتين عليها عن الأعمش, ولمجيئها كذلك من وجه آخر عند أحمد كما سبق
وقد وهم الحافظ في الفتح (3/ 15) وتبعه الشيخ القاري وغيره في شرح الشمائل (2/ 95) حيث عزوا الحديث باللفظ الثاني إلى صحيح مسلم وليس هو فيه. بل ولا عند أحد من مخرجيه, حاشا أحمد في رواية. ـ كما ذكرنا ـ وقد رجح هذه الرواية الشيخ القاري , فقال:
إنها الصواب , على ما هو المعروف المستقر من أحواله صلى الله عليه وسلم, وما استقر عند الصحابة من الإجماع على ترتيب السور, على خلاف في أنه توقيفي, بخلاف ترتيب الآي فإنه قطعي)
قلت: ولا يخفى على العاقل اللبيب أن ما ذكره لا تنهض حجته على ترجيح هذه الرواية , لأنه جائز أن يخالف صلى الله عليه وسلم المعهود من ترتيبه لسبب ما ـ كبيان الجواز مثلا ـ فإذا كان هذا جائزا, فلا بد حينئذ من المصير إلى ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى إلى ما تقتضيه قواعد علم الحديث.
وقد ذكرنا أنها الرواية الأولى, فعليها العمدة , دون الأخرى) اهـ كلام الشيخ رحمه الله تعالى
قال أبو عبد الله: وممن أنكر هذا كثير من المتفقهة المنسوبين إلى مذهب مالك رضي الله عنه في بلادنا, وهو أمر طريف. فإن كبار المالكية على الجواز. قال القاضي عياض المالكي رحمه الله تعالى في إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 137/تحقيق يحيى إسماعيل):
(وتقديمه هنا النساء على آل عمران حجة لمن يقول: إن ترتيب السور اجتهاد من المسلمين حين كتبوا المصحف, لم يكن ذلك من تحديد النبي ـ عليه السلام ـ وإنما وكله إلى أمته بعده وهو قول جمهور العلماء , وهو قول مالك واختيار القاضي أبي بكر الباقلاني, وأصح القولين عنده, مع احتمالها. قال: والذي نقوله: إن تأليف السور ليس بواجب في الكتابة ولا في الصلاة ولا في الدرس ولا في التلقين والتعليم, وإنه لم يكن من الرسول في ذلك نص واحد لا يحل تجاوزه, فلذلك اختلفت تأليفات المصاحف قبل مصحف عثمان, واستجاز النبي صلى الله عليه وسلم والأمة بعده في سائر الأعصار ترك الترتيب للسور في الصلاة والدرس والتلقين والتعليم, وعلى قول من يقول من أهل العلم: إن ذلك توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم, وعلى ما حده ورسمه لهم حسب ما استقر في مصحف عثمان , وأن موجب اختلاف المصاحف قيل في الترتيب إنما كان قبل التوقيف , وعلى ما جاء هنا كانت هاتان السورتان في مصحف أبي ... )
¥