وفهم من هذا أنه على فرض كون ترتيب المصحف توقيفيا فإنه لا يلزم منه وجوب ترتيبها في القراءة في الصلاة.
وقال الإمام النووي الشافعي رحمه الله في التبيان في آداب حملة القرآن (ص48): (لو خالف الموالاة فقرأ سورة لا تلي الأولى أو خالف الترتيب فقرأ سورة قبلها جاز.)
وقال ابن بطال المالكي في شرح البخاري: (روى يونس عن ابن وهب قال: سمعت مالكًا يقول: إنما أُلف القرآن على ما كانوا يسمعونه من قراءة رسول الله، ومن قال هذا القول لا يقول: إن تلاوة القرآن في الصلاة والدرس يجب أن يكون مرتبًا على حسب الترتيب الموقف عليه في المصحف؛ بل إنما يجب تأليف سوره في الرسم والكتابة خاصة ولا نعلم أن أحدًا منهم قال: إن ترتيب ذلك واجب في الصلاة، وفى قراءة القرآن ودرسه وإنه لا يحل لأحد أن يتلقن الكهف قبل البقرة، ولا الحج بعد الكهف، ألا ترى قول عائشة للذي سألها أن تريه مصحفها ليكتب مصحفًا على تأليفه: لا يضرك أيه قرأت قبل؟!)
وأثر عائشة الذي ذكره ابن بطال رواه البخاري (4707) عن يوسف بن ماهك قال: إني عند عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها إذ جاءها عراقي فقال: يا أم المؤمنين أريني مصحفك قالت: لم؟ قال لعلي أؤلف القرآن عليه فإنه يقرأ غير مؤلف قالت وما يضرك أيه قرأت قبل ... ) وهو شاهد واضح على ما ذكرت من جواز (تنكيس) سور القرآن في التلاوة.
ومما يدل على هذا أيضا ما رواه البخاري (741) عن أنس رضي الله عنه ـ وبوب له المجد ابن تيمية الحنبلي في المنتقى ولحديث حذيفة (باب قراءة سورتين في كل ركعة وقراءة بعض سورة وتنكيس السور في ترتيبها وجواز تكريرها) ـ قال: كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء وكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح قل هو الله أحد حتى يخلو منها ثم يقرأ سورة أخرى معها وكان يصنع ذلك في كل ركعة فكلمه أصحابه فقالوا إنك تفتتح بهذه السورة ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بأخرى فإما تقرأ بها وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى فقال ما أنا بتاركها إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت وإن كرهتم تركتكم أنه من أفضلهم وكرهوا أن يؤمهم غيره فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر فقال يا فلان ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك وما يحملك عل لزوم هذه السورة في كل ركعة فقال إني أحبها فقال حبك إياها أدخلك الجنة)
ووجه الدلالة فيه إقراره صلى الله عليه وسلم الإمام على تقديم سورة الإخلاص على غيرها في الركعة الواحدة.
واستدل الشيخ الألباني أيضا بما رواه ابن خزيمة (538) عن الأمش عن شقيق عن ابن مسعود قال: (إني أعلم النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بهن سورتين في ركعة ثم أخذ بيد علقمة فدخل ثم خرج فعدهن علينا قال الأعمش وهي عشرون سورة على تأليف عبد الله أولهن الرحمن وآخرتهن الدخان الرحمن والنجم والذاريات والطور هذه النظائر اقتربت والحاقة والواقعة ون والنازعات وسأل سائل والمدثر والمزمل وويل للمطففين وعبس ولا أقسم وهل أتى والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت والدخان) وقد ذكرها الشيخ الألباني في صفة الصلاة (ص402 إلى 404) وأصلها في البخاري (4710) ومسلم (822) وقد فصل الشيخ رحمه الله تعالى تخريج الحديث. فانظره هناك. وهذه النظائر ذكرت مرتبة على ترتيب مصحف ابن مسعود رضي الله عنه.وقد ذكر الشيخ أرقامها ثم قال في الحاشية: (الرقم الأول للسور والرقم الثاني لعدد آياتها وقد كشف لنا هذا الترقيم الأول أنه صلى الله عليه وسلم لم يراع في الجمع بين كثير من هذه النظائر ترتيب المصحف فدل على جواز ذلك ومثله ما سيأتي في القراءة في صلاة الليل. وإن كان الأفضل مراعاة الترتيب) ويقصد بما سيأتي حديث حذيفة
هذا جهد المقل. والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـ[خالد بن محمد الحربي]ــــــــ[15 - 09 - 07, 12:19 ص]ـ
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=34891
http://www.islamqa.com/index.php?ref=7198&ln=ara
ـ[طارق الحمودي]ــــــــ[15 - 09 - 07, 12:36 ص]ـ
جزاك الله على هاتين الإحالتين
ـ[مسعر العامري]ــــــــ[30 - 09 - 07, 05:22 م]ـ
الذي يظهر -كما ذكر الإخوة- جواز قراءة السور بغير ترتيب .. وهو قول مشهور في مذهب أحمد واختاره ابن تيمية وطوائف
ولكن قولك أخي:
((فإن مما يثير العجب حقا أن تجد كثيرا من الناس يسارعون إلى عيب ما لا علم لهم به سوى قيل وقال دون بينة أو حجة أو برهان)) الى أخر الكلام
لفظ في غير محله
فمن قال لك إنهم قالوا ذلك بغير بينة أو حجة أو برهان؟
فإن طائفة منهم يستدلون بأثر ابن مسعود أنه سئل عن رجل يقرأ القرآن منكوساً، فقال: "ذلك منكوس القلب"، أخرجه عبد الرزاق.
وقد عاب ذلك أئمة وفقهاء؛ إما عيب تحريم أو عيب قراءة، كما كرهه أحمد وطائفة
وكوننا نخرج قول ابن مسعود على وجه معين، لا يعني أن ننسف القول الآخر، وأن نظن أنهم اختلقوا شيئا فقالوه، بل لهم دليلهم، فيحاورون فيه، وما كان الرفق في شيء إلا زانه.
وتعرف أن حديث حذيفة حمله طائفة على أنه قبل استقرار الترتيب في العرضة الأخيرة، فمن المعلوم أن القرآن ما زال ينزل والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ضعوا آية كذا في موضع كذا ..
وبغض النظر عن صحة الجواب فللقول الآخر وجهه.
ثم تعلم أن الهدي المستقر كما يظهر هو الترتيب، وفي ذلك أخبار كما في تحزيبهم القرآن ثلاث وخمس وسبع ...
فالقصد أن القول الآخر له وجهه -خاصة لمن يعيبه كراهة-، وأخص من ذلك: من ينكس لا لشيء إلا منافرة للعامة وإثباتا أنه يعرف شيئا لا يعرفونه!
نسأل الله ألا ينكس قلوبنا، وأن يرزقنا تلاوة كتابه والعمل به كما يرضيه
وجزاك الله خيرا على بحثك
¥