قال ابن القيم: (هذا كتاب عمر إلى أبي موسى ولم ينكره أحد من الصحابة بل كانوا متفقين على القول بالقياس وهو أحد أصول الشريعة، ولا يستغني عنه فقيه)
3 – ما وقع من الصحابة _ رضي الله عنهم _ في جمع القرآن مرتين في عهد أبي بكر الصديق وعهد عثمان بن عفان _ رضي الله عنهما _، وما فعلوا ذلك إلا لما في ترك جمعه من ضياع كتاب الله، واحتمال حصول الخلاف في قراءته.
4 – قياس العهد على العقد ووجهه كما يقول القرافي: (أنَّ الذي تقدم في الإمامة للصديق _ رضي الله عنه _ عهد لعمر بن الخطاب، وهذا العهد ليس بعقد بيعة، فألحقه الصحابة بالعقد الواقع للصديق؛ لأنه في معناه من جهة أن الإمام وكيل الأمة، ووليٌ لهم، فإذا أبرم أمراً فهم أبرموه من حيث المعنى).
والأمثلة على ذلك كثيرة في فتاوى الصحابة رضي الله عنهم.
ثالثاً: الترجيح:
بعد عرض الأقوال والأدلة في المسألة فإنَّ الراجح هو قول أهل السنة والجماعة في إثبات التعليل، وذلك لأمور:
الأمر الأول: قوة ما استدلوا به من أدلة من كتاب الله وسنة رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، والتي لا تكاد تحصى كثرةً في إثبات التعليل حتى قال ابن القيم _ رحمه الله _ في بيان كثرة الأدلة الدالة على التعليل: (لو تتبعنا ما يفيد إثبات الأسباب من القرآن والسنة لزاد على عشرة آلاف موضع)
الأمر الثاني: أن هذا هو مسلك الصحابة والتابعين كما سبق.
الأمر الثالث: أن القول بنفي التعليل قدح في العقل والشرع:
يقول ابن تيمية _ رحمه الله _: (قال بعضهم: الالتفات إلى الأسباب بالكليِّة شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع)
ويقول ابن القيم: (أعظم جناية على الشرائع والنبوات والتوحيد إيهام الناس أن التوحيد لا يتم إلا بإنكار الأسباب)
ويقول صدر الشريعة: (وما أبعد عن الحق قول من قال: إنها غير معللة؛ فإن بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لاهتداء الخلق، وإظهار المعجزات لتصديقهم، فمن أنكر التعليل فقد أنكر النبوة .. )
الأمر الرابع: أن القول بجواز التعليل هو الذي يتوافق مع شرع أحكم الحاكمين الذي نزل ليكون صالحاً لكلِّ زمان ومكان؛ فيستفاد من القول بالتعليل في قابلية بعض الأحكام للتغيير حسب الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد.
يقول ابن القيم: (ومن أعجب العجب أن تسمح نفس بإنكار الحكم والعلل الغائية والمصالح التي تضمنها هذه الشريعة الكاملة التي هي من أدل الدلائل على صدق من جاء بها وأنه رسول الله حقا ولو لم يأت بمعجزة سواها لكانت كافية شافية فإن ما تضمنته من الحكم والمصالح والغايات الحميدة والعواقب السديدة شاهدة بأن الذي شرعها وأنزلها أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين)
الأمر الخامس: أن إثبات التعليل في الأحكام، وكونها معقولة المعنى أدعى لقبول النفوس لها وأكثر إيماناً وتصديقاً واطمئناناً حال العمل بها، ولذا يقول الغزالي _ رحمه الله _: (فإنَّ النُّفوس إلى قبول الأحكام المعقولة الجارية على ذوق المصالح أميل منها إلى قهر التحكم ومرارة التعبد، ولمثل هذا الغرض استحب الوعظ وذكر محاسن الشريعة، ولطائف معانيها، وكون المصلحة مطابقة للنَّص، وعلى قدر حذقه يزيدها حسناً وتأكيداً)
الأمر السادس: أنَّ ما استدلَّ به النَّافون للتعليل من شبه قد تمت الإجابة عنها ومناقشتها.
الأمر السابع: تناقض أقوال النافين للتعليل مما يدلُّ على ضعفها؛ فهم في باب التوحيد ينفون التعليل بينما نجدهم في الفقه وأصوله يثبتونه حتى قال الشاطبي _ رحمه الله _: (وزعم الرازي أن أحكام الله ليست معللة بعلة ألبته، كما أن أفعاله كذلك ... ، ولما اضطر في علم أصول الفقه إلى إثبات العلل للأحكام الشرعية أثبت ذلك)، بل قال الرازي _ وهو ممن ينكر التعليل _: (انعقد الإجماع على أن الشرائع مصالح، إما وجوباً كما هو قول المعتزلة، أو تفضلاً كما هو قولنا)
¥