وهذه القاعدة يكثر من استعمالها القضاة، حيث يحكم القاضي بإزالة الضرر إذا ثبت له أنه بالفعل ضرر اتباعا للأدلة الشرعية وفق ضوابط معينة (1)،وهنا نرى أن الضرر مشقة وإزالته تيسير؛ لذلك يظهر لنا بوضوح أن قاعدة الضرر يزال تندرج تحت مظلة قاعدة المشقة تجلب التيسير.
2 - قاعدة: العادة مُحَكَّمَةٌ:
العرف والعادة كان لهما نصيب وافر ملحوظ في تغير الأحكام حسب تغيرهما؛ لاعتبار الشارع للعرف والعادة في حالة عدم مصادمتهما للنص الشرعي، وقد تضافرت الأدلة من القرآن الكريم والسنة المطهرة التي تؤكد هذا الأمر؛ لذلك وضع العلماء قاعدة العادة محكمة (2)، واعتبار الشارع لعرف الناس وعاداتهم في بعض أمورهم فيه تيسير من الله تعالى على عباده كما لا يخفى.
3 - قاعدة: اليقين لا يزول بالشك:
هذه القاعدة تهدف إلى رفع الحرج والمشقة عن المكلف، حيث فيها تقرير لليقين باعتباره أصلا معتبرا، وإزالة للشك الذي كثيرا ما ينشأ عن الوساوس، لاسيما في باب الطهارة والصلاة، ومن المعلوم أن الوساوس داء عضال، إذا اشتد بصاحبه لاينفك عنه، فيقع المكلف في المشقة، ويعالج
عناء في أداء الواجبات (3).
ـــــــــــــ
1 - محمد اسماعيل، القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه:99.
2 - علي الندوي، القواعد الفقهية:256،محمد الأشقر، الواضح في أصول الفقه:153.
3 - علي الندوي، القواعد الفقهية:316.
4 - قاعدة: الأمور بمقاصدها:
الشارع لم يعتبر الألفاظ التي لم يقصد المتكلم بها معانيها، بل جرت على غيرقصد منه، ويدل على ذلك أدلة من القرآن كريم والسنة المطهرة؛ لهذا وضع العلماء قاعدة الأمور بمقاصدها، وفي هذه القاعدة رفع الحرج عن المكلف؛ فإلزام المكلف بما لايقصد فيه حرج، وعدم اعتبار ماقصد فيه حرج أيضا، فتفكر (1).
إذن فقاعدة المشقة تجلب التيسير يمكن أن نصفها بأنها تتربع على قمة هرم القواعد الفقهية الكلية:
(رسم توضيحي)
(المشقة تجلب التيسير)
// // // //
(الضرر يزال) (العادة محكمة) (اليقين لا يزول باشك) (الأمور بمقاصدها)
ــــــــــــــ
1 - علي الندوي، القواعد الفقهية:246 - 251.
ـ[طالب العلم عبدالله]ــــــــ[05 - 01 - 07, 08:54 م]ـ
المطلب الثاني: مكانة قاعدة المشقة تجلب التيسير بين الأدلة و القواعد الأصولية:
1 - أثر قاعدة المشقة تجلب التيسير على بعض الأدلة الأصولية:
أ- المصلحة المرسلة:
لاحظ العلماء أن الأحكام الشرعية جاءت لتحقيق مصالح الناس، سواء كانت ضرورية أو حاجية أو تحسينية؛ ولذلك إذا سكت الشارع عن شيء ما فلم يحكم فيه بأمر أو نهي، ولم يرد دليل على أن تلك المصلحة ملغاة شرعا، فإن المجتهد ينظر ما فيه المصلحة فيأمر به، وما فيه المفسدة فينهى عنه، ولو لم يستند إلى دليل معين، وفي ذلك تيسير ودفع للمشقة، وهذا يتحقق في القوانين الوضعية مثل قوانين المرور، فقوانين المرور ليست أحكاما شرعية، لكنها صادرة من قبل ولي الأمر التي تمت ولايته على الوجه الشرعي؛ لذلك يثاب من التزم بها؛ لوجوب طاعة ولي الأمر؛ ولأن الإخلال بها يؤدي إلى الإضرار بالناس وحصول الفوضى. (1)
ب- الاستحسان:
وهو أن يترك المجتهد – في واقعة ما- العمل بنص أو قياس أو قاعدة عامة، يشمل الواقعة بعمومه، وينتقل عن ذلك الحكم إلى حكم آخر يحقق المصلحة فيها، بسبب ضرورة، أو عرف عام، أو قياس خفي، أو دليل آخر
يقتضي هذا الترك، فيعدل المجتهد عن الأخذ بذلك العموم في شأن تلك
ــــــــــــــ
1 - الأشقر، الواضح في أصول الفقه:149، يعقوب الباحسين، قاعدة المشقة تجلب التيسر:277.
الواقعة إلى حكم آخر تتحقق به المصلحة، أو تندرىء به المفسدة، ولا يكون
ذلك العدول استحسانا بمجرد الرأي والهوى، بل بدليل يقتضي هذا العدول، كدليل رفع الحرج ودفع المشقة. (1)
2 - أثر قاعدة المشقة تجلب التيسير على بعض القواعد المتعلقة بالترجيح بين الأدلة المتعارضة:
إذا تعارضت الأدلة فيما بينها ـ بحسب الظاهر ـ ولم يترجح للمجتهد أو المستنبط أحد الآراء، فإن دفع المشقة يصلح أن يكون مرجحاً لما هو أقرب إليه (1).
¥