تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الإمام الطبري في تفسيره: (وأما قوله: ((تأمرون بالمعروف) فإنه يعني: تأمرون بالإيمان بالله ورسوله والعملِ بشرائعه. ((وتنهون عن المنكر) يعني: وتنهون عن الشرك بالله وتكذيب رسوله، وعن العمل بما نهى عنه).ثم قال الإمام الطبري:

(وأصل"المعروف" كل ما كان معروفًا فعله، جميلا مستحسنًا، غير مستقبح في أهل الإيمان بالله، وإنما سميت طاعة الله"معروفًا"، لأنه مما يعرفه أهل الإيمان ولا يستنكرون فعله. وأصل"المنكر"، ما أنكره الله، ورأوه قبيحًا فِعْلهُ، ولذلك سميت معصية الله"منكرًا"، لأن أهل الإيمان بالله يستنكرون فعلها، ويستعظمون رُكوبها). انتهىوقال الإمام ابن كثير في تفسيره:

(يخبر تعالى عن هذه الأمة المحمدية بأنهم خير الأمم .. والصحيح أن هذه الآية عامةٌ في جميع الأمة، كل قَرْن بحسبه، وخير قرونهم الذين بُعثَ فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الذين يَلونهم، ثم الذين يلونهم). انتهى

3 – وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن القيام بهذا الواجب لا ينقطع من الوجود أبًدا, فلا بد حتمًا من استمرار وجود طائفة من الأمة ظاهرة قائمة بأمر الله وبشرائعه. ولابد أن يستمر أَمْرُ هذه الأمة مستقيمًا.

فقد روى الإمامان البخاري ومسلم (رقم1920) – واللفظ لمسلم – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك).

ورواه الإمام مسلم أيضا (برقم1037) بلفظ: (لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس).

وروى الإمام البخاري أيضا (برقم71) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يُرِد الله به خيرا يفقهه في الدين, وإنما أنا قاسم, ويعطي الله, ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيما حتى تقوم الساعة, أو حتى يأتي أمر الله).

والمقصود بالطائفة الظاهرة على الحق: العلماء.

قال عنهم الإمام البخاري في صحيحه:

(هُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ). انتهى

وقال الإمام النووي:

(وجملة العلماء أو جمهورهم على أنهم حملة العلم). انتهى قلتُ: فلفظ (لا يزال) صريح في استمرار وجود من يقوم بالحق ويظهر به, وصريح في استمرار استقامة حال هذه الأمة, وهذا صريح في أنه يستحيل أن يخلو عصر من الأعصار من ناطق بالحق, فلابد في كل عصر مِنْ ظهورِ مَنْ ينطق بالحق في كل مسألة من مسائل الشرع.

وبيان ذلك: أنه إذا قال بعض العلماء في مسألة ما: إن حكمها الإباحة, وكان الحق عند الله تعالى هو التحريم, فحينئذ يكون قولهم هذا منكرا؛ لأن فيه تحليل ما حرمه الله تعالى.

فيستحيل حينئذ خلو عصرهم ممن يُنكر عليهم قولَهم هذا, ويبين الحكم الشرعي الذي يرضاه الله تعالى؛ إذْ إنه لو خلا العصر من ناطق بالحق في هذه المسألة , فلن يكون أمر الأمة مستقيمًا في هذه المسألة؛ وذلك لأن الأمة انقسمت فيها قسمين: ناطق بالمنكر, وساكت عن المنكر, فإباحة المحرم تُعد من أكبر المنكرات. وسيكون العصر – حينئذ - قد خلا ممن يُنكر هذا المنكر, وهذا مستحيل؛ لأن الله تعالى قد أخبر- وخَبَرُهُ صِدْقٌ - بأن هذه الأمة – حتما – تنهى عن المنكر.

قال الإمام أبو إسحاق الشيرازي

(هذا يؤدي إلى خلو الوقت عن قائم لله – تعالى- في الأرض بحجته .. , وإذا أخطأ الواحد وسكت الباقون وتركوا الاجتهاد؛ فَقَدْ فُُقِدَ ههنا القائم لله بحجته, وذلك لا يجوز) ا. ه

وقال أبو الوليد الباجي في كتابه "إحكام الفصول " في أصول الفقه:

(هذه أخبار كلها متواترة على المعنى, وإنَّ كل عصر من الأعصار التي توجد فيها أُمَّته , لا يخلو مِنْ قائم فيها بالحق). انتهى

وقال الإمام ابن حزم:

(إذا كان في المسأله أقوال متعددة محصورة فبطلت كلها إلا واحدا؛ فذلك الواحد هو الحق بيقين لأنه لم يبق غيره, والحق لا يخرج عن أقوال جميع الأمة؛ لِمَا ذكرنا من عصمه الإجماع). انتهى

وقال الإمام ابن حزم أيضا:

(ضمانُ الله تعالى حفظ الذكر النازل مِنْ عنده الذي أوحاه الى نبيه صلى الله عليه وسلم ومع ضمانه تعالى أنه لم يَضِعْ من الدين شيءٌ أصلًا ولا يضيع أبدًا ولا بد أن يكون مع كل عصر من العلماء من يضبط ما خَفِيَ عن غيره منهم, ويضبط غيره أيضا ما خَفِيَ عنه فيبقى الدين محفوظًا إلى يوم القيامة ولا بد وبالله تعالى التوفيق). انتهى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير