وقال الإمام ابن الجوزي:
(فأنشأ الله عز وجل علماء يذبون عن النقل، ويوضحون الصحيح ويفضحون القبيح، وما يُخلى الله عز وجل منهم عصرًا من العصور). انتهى
وقال الإمام ابن قدامة في كتابه " روضة الناظر " في أصول الفقه:
(لا يخلو الإنسان من خطأ ومعصية , والخطأ موجود من جميع الأمة , وليس مُحَالا , إنما المُحَال: الخطأ بحيث يضيع الحق حتى لا تقوم به طائفة). انتهى
وقال الإمام الزركشي في كتابه " البحر المحيط في أصول الفقه ":
(أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَجْتَمِعَ الْأُمَّةُ عَلَى الْخَطَأِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ). انتهى
فإذا اتفق جميع علماء العصر على قول واحد في مسألة من مسائل الشرع - عَلِمْنَا قطعًا أن هذا القول هو الحق الذي يرضاه الله تعالى. لذلك كان اتفاقهم وإجماعهم هذا حجة قطعية , يَحْرُمُ مخالفتُها.
وفي ذلك يقول الإمام النووي في شرح حديث الإمام مسلم:
(وفى هذا الحديث معجزة ظاهرة؛ فإنَّ هذا الوصف ما زال بحمد الله تعالى من زمن النبى صلى الله عليه وسلم إلى الآن, ولا يزال حتى يأتى أمر الله المذكور فى الحديث. وفيه دليلٌ لكون الإجماع حجةً, وهو أصح ما اسْتُدِلَّ به له من الحديث). انتهى
ونختم هذا الجزء بكلام نفيس يكتب بماء الذهب , إنه كلام العلامة الإمام ابن القيم , حيث قال في كتابه " إعلام الموقعين عن رب العالمين ":
(قَوْله تَعَالَى {: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ} شَهِدَ لَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهُمْ يَأْمُرُونَ بِكُلِّ مَعْرُوفٍ، وَيَنْهَوْنَ عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ، فَلَوْ كَانَتْ الْحَادِثَةُ فِي زَمَانِهِمْ لَمْ يُفْتِ فِيهَا إلَّا مَنْ أَخْطَأَ مِنْهُمْ , لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَدْ أَمَرَ فِيهَا بِمَعْرُوفٍ وَلَا نَهَى فِيهَا عَنْ مُنْكَرٍ؛ إذْ الصَّوَابُ مَعْرُوفٌ بِلَا شَكٍّ، وَالْخَطَأُ مُنْكَرٌ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ).انتهىوقال أيضا:
(فَلَوْ كَانَ عِلْمُهُمْ أَنْ يُفْتِيَ أَحَدُهُمْ بِفَتْوَى وَتَكُونُ خَطَأً مُخَالَفَةً لِحُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَا يُفْتِي غَيْرَهُ بِالْحَقِّ الَّذِي هُوَ حُكْمُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ إمَّا مَعَ اشْتِهَارِ فَتْوَى الْأَوَّلِ أَوْ بِدُونِ اشْتِهَارِهَا - كَانَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ الْعَدْلُ الْخِيَارُ قَدْ أَطْبَقَتْ عَلَى خِلَافِ الْحَقِّ، بَلْ انْقَسَمُوا قِسْمَيْنِ: قِسْمًا أَفْتَى بِالْبَاطِلِ , وَقِسْمًا سَكَتَ عَنْ الْحَقِّ، وَهَذَا مِنْ الْمُسْتَحِيلِ؛ فَإِنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمْ وَيَخْرُجُ عَنْهُمْ إلَى مَنْ بَعْدَهُمْ قَطْعًا). انتهى
قلتُ:
وبذلك تتقرر القاعدة الأولى: أنه يستحيل أن يخلو عصر من ناطق بالحق.
يتابع ..
ـ[أبو إسلام عبد ربه]ــــــــ[16 - 01 - 07, 03:26 ص]ـ
تقرير القاعدة الثانية:
وهي ضمان الله تعالى حفظ أقوال أهل العلم التي بها يُحفظ الدين: تتقرر هذه القاعدة بأربع آيات قرآنية, وقد أَكْثَرْنَا من نقل تصريحات كبار أهل العلم عند الكلام على الآية الرابعة, لذلك على القاريء الكريم قراءتها كاملةً؛ لأهميتها.
الآية الأولى الدالة على ضمان حفظ الله أقوال العلماء التي بها يُحفظ الدين:
قال الله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا). (النساء: 115).
قال العلامة علاء الدين البخاري في (كشف الأسرار):
(الْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ: أَنَّهُ تَعَالَى تَوَعَّدَ عَلَى مُتَابَعَةِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا تَوَعَّدَ عَلَى مُخَالَفَةِ الرَّسُولِ, وَالسَّبِيلُ: مَا يَخْتَارُ الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ قَوْلًا وَعَمَلًا, وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُحَرَّمًا؛ لَمَا تَوَعَّدَ عَلَيْهِ , وَلَمَا حَسُنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُشَاقِّ الرَّسُولِ فِي الْوَعِيدِ؛كَمَا لَا يَحْسُنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَأَكْلِ الْخُبْزِ الْمُبَاحِ فِي الْوَعِيدِ، وَإِذَا حَرُمَ اتِّبَاعُ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ؛ وَجَبَ
¥