اتِّبَاعُ سَبِيلِهِمْ؛ فَيَكُونُ الْإِجْمَاعُ حُجَّةً؛ لِأَنَّهُ سَبِيلُهُمْ). انتهى
وقال تاج الدين السبكي:
(الجمع بين حرامٍ ونقيضه لا يَحْسُن في وعيد؛ ولأجله يُسْتَقْبَح:" إنْ زَنيتَ , وشربتَ الماء عاقبتك ", فَدَلَّ على حُرْمَة اتِّبَاع غير سبيلهم , وإذا وجب اتِّبَاع سبيلهم؛ انتهض كون الإجماع حجة؛ لأن سبيل الشخص ما يختار من قول أو فعل أو اعتقاد). انتهى
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره:
(قوله: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} .. والذي عَوَّل عليه الشافعي في الاحتجاج على كون الإجماع حجة تَحْرُم مخالفته هذه الآية الكريمة، بعد التروي والفكر الطويل. وهو من أحسن الاستنباطات وأقواها). انتهى
و قال الإمام أبو الوليد الباجي في كتابه (إحكام الفصول):
(الله عزّ وجل لا يأمرنا باتباع سبيل باطنة للمؤمنين؛ لأنه يستحيل ذلك في التكليف؛ لأنه لا طريق لنا إلى معرفتها, فيجب أن تُحْمل على ما يصِحُّ تكليفه, وهو اتباع ما ظَهَرَ منهم, ولذلك إذا قال الرجل لابنه: اتَّبِع سبيل فلان الصالح, وفلان العالم, فإنما يعني بذلك ما ظهر من أفعاله وورعه, لا ما أبطنه ممَّا لا سبيل إلى العلم به). انتهى
وقال الإمام علاء الدين الأسمندي في كتابه (بذل النظر) في أصول الفقه:
(إنَّ الله تعالى لَمَّا جعل الإجماع حجة وكلفنا العمل به, وذلك يقتضي أن يكون لنا إلى معرفته سبيل, وذلك بأن يكون بحال لو كان لهم مخالف: يظهر قوله؛ فإنه يجري ذلك مجرى أن ضمن الله تعالى إظهار قول من يخالف لو كان صوابا. فَلَمَّا لم يظهر ذلك؛ دَلَّ ذلك على بطلانه). انتهى
وقال الإمام أبو المظفر السمعاني في كتابه (قواطع الأدلة) في أصول الفقه:
(القول المنتشر في أهل العصر من غير مخالف دليل على الإجماع, وهذا يمكن معرفته, وهذا لأن الدليل الذي دَلَّ على أن الإجماع حجة - يوجب أن يكون سبيل من الوصول إليه, ولا وصول إلا بالقول المنتشر في الأمة, وعَدَم المخالف لذلك .. , ولا يجوز أنْ يوجب علينا ما لا سبيل إلى الوصول إليه, فإذا لم يمكن إلا هذا القدر: عَلِمْنَا أن ذلك حُجَّة وأنه الْمَعْنِيُّ بالإجماع الذي أوجب علينا اتباعه). انتهى
قلتُ:
يمكن عرض هذا الاستدلال هكذا:
لو وُجد مخالف, وكان قوله حقًّا: لَكَان لابد من سبيل إلى معرفته وظهوره.
فَلَمَّا لم يظهر لنا إلا سبيل واحد = عَلِمْنَا أنه هو السبيل الذي وَجَبَ علينا اتباعُه, و عَلِمْنَا أنه هو الحق الذي شهد به العلماء العدول, و عَلِمْنَا أنه هو المعروف الذي أمر به علماء خير أمة أُخرجت للناس, و عَلِمْنَا أنه من الدين الذي ارتضاه الله تعالى لنا؛ لأنه هو القول الذي تَمَّ له التمكين بظهوره وانتشاره دون أن يظهر له مخالف, فكان ما سواه كالعدم.
فإذا تتابع أهل العلم المعروفون – مع تطاول الزمان - على الإفتاء بحكم شرعي واحد في مسألة ما, واشتهر هذا الحكم بحيث لا يُعلم خلافه, وبحيث لم يُنقل لمن بعدهم إلا هذا الحكم الشرعي, وبحيث نجد غير واحد من أهل العلم – مع شدة بحثهم – يصرحون بأنهم لا يعلمون في هذا الحكم الشرعي خلافا = فحينئذ يتضح أن سبيل المؤمنين في هذه المسألة هو هذا الحكم الشرعي, فيجب اتباعه وتَحْرُم مخالفته. فحينئذ نقطع بأن هذا الحكم هو الحق الذي يرضاه الله تعال , لأن هذا الحكم هو الذي تم له التمكين بظهوره وانتشاره ونَقْلِهِ من عصر إلى عصر, وعَلِمْنَا أن ما سواه باطل قطعًا, وليس من سبيل المؤمنين في شيء؛ إذْ لو كان ما سواه هو الحق = لكان لابد أن يظهر ويستقر ويُنقل إلينا؛ ليتضح به سبيل المؤمنين في هذه المسألة.
ـ[أبو إسلام عبد ربه]ــــــــ[16 - 01 - 07, 03:31 ص]ـ
الآية الثانية الدالة على ضمان حفظ الله أقوال العلماء التي بها يُحفظ الدين:
قال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ).الآية (البقرة: 143).
قال الإمام أبو إسحاق الشيرازي:
(وجه الدليل أنه جعلهم وسطًا , والوسطُ هم العدول. قال الشاعر:
هُمُ وَسَط يرضى الأنام بحكمهم ... إذا نزلت إحدى الليالي بِمُعْظَم
¥