تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإذا كانوا عدولا شهداء, وَجَبَ قبول ما يشهدون به؛ لأنه لا يجوز أن يجعلهم شهداء على الناس ثم لا يكون قولهم حجة, كما يقول في شهود القاضي, فإنه إذا زكاهم وعدلهم وشهدوا عنده بحق, يجب عليه قبول قولهم والحكم به, فصار قولهم حجة يقضي بها؛ كذلك ههنا ..

فإن قيل: المراد به أن هذه الأمة تشهد على سائر الأمم يوم القيامة.

قلنا: اللفظ عام في الجميع , فيجب حمله على العموم). انتهى

وقال الإمام ابن تيمية:

(والوسط: العدل الخيار. وقد جعلهم الله شهداء على الناس, وأقام شهادتهم مقام شهادة الرسول .. فإذا كان الرب قد جعلهم شهداء؛ لم يشهدوا بباطل , فإذا شهدوا أن الله أمر بشىء؛ فقد أمر به, وإذا شهدوا أن الله نهى عن شىء؛ فقد نهى عنه , ولو كانوا يشهدون بباطل أو خطأ: لَمْ يكونوا شهداء الله فى الأرض, بل زَكَّاهم الله فى شهادتهم كما زَكَّى الأنبياء فيما يُبَلِّغون عنه أنهم لا يقولون عليه إلا الحق, وكذلك الأمة لا تشهد على الله إلا بالحق). انتهى

وقال القاضي أبو زيد الدبوسي في كتابه (تقويم الأدلة):

(قال تعالى: ((لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)) والشاهد: اسم لمن ينطق عن علم ولمن قوله حجة. فدل النَّصُّ على أنَّ لهم عِلْمًا بما على الناس من الأحكام, وأن أقوالهم حجة على الناس في حق الله تعالى). انتهى

وقال العلامة علاء الدين البخاري في كتابه (كشف الأسرار):

(لَا تَفْصِيلَ فِي الْآيَةِ؛ فَتَتَنَاوَلُ شَهَادَةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَكَذَا لَمْ يُذْكَر الْمَشْهُودُ بِهِ، وَتَرْكُ ذِكْرِ الْمَفْعُولِ بِهِ يُوجِبُ التَّعْمِيمَ, كَمَا فِي قَوْلِك: فُلَانٌ يُعْطِي وَيَمْنَعُ؛ فَتَكُونُ الْآيَةُ مُتَنَاوِلَةً شَهَادَةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ, وَمِنْ شَهَادَتِهِمْ: حُكْمُهُمْ فِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى النَّاسِ بِحُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى .. يَعْنِي إذَا كَانَتْ شَهَادَتُهُمْ مُعْتَبَرَةً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ صَوَابًا وَحَقًّا لَا مَحَالَةَ). انتهى

قلتُ:

فإذا تتابع أهل العلم المعروفون – مع تطاول الزمان - على الإفتاء بحكم شرعي واحد في مسألة ما, واشتهر هذا الحكم بحيث لا يُعلم خلافه, وبحيث لم يُنقل لمن بعدهم إلا هذا الحكم الشرعي, وبحيث نجد غير واحد من أهل العلم – مع شدة بحثهم – يصرحون بأنهم لا يعلمون في هذا الحكم الشرعي خلافا:

فحينئذ يكون هذا الحكم الشرعي هو الذي شهد به عامَّةُ أهل العلم على عامة الناس بأنه حكم الله تعالى الذي الواجب التزامُه وتَحْرُم مخالفته.

فحينئذ نقطع بأن هذا الحكم هو الحق عند الله تعالى؛ لأن هذا الحكم هو الذي تم له التمكين بظهوره وانتشاره ونَقْلِهِ من عصر إلى عصر.

وعَلِمْنَا حينئذ أن ما سواه باطلٌ قطعًا؛ إِذْ لو كان ما سواه هو الحق: لكان لابد أن يظهر ويستقر ويُنقل إلينا ويُفتي به أهل العلم؛ لتتم شهادتهم على الناس بما هو الحق عند الله تعالى؛ لأنه يستحيل – والحال كما وصفنا – أن يكون هذا القول الذي اشتهر هو الباطل , فمن المحال ألَّا تنقل الأمة إلَّا القول الباطل.

@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@

الآية الثالثة الدالة على ضمان حفظ الله أقوال العلماء التي بها يُحفظ الدين:

قال الله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ). (النور:55).

قال الإمام أبو زيد الدبوسي في (تقويم الأدلة) في أصول الفقه:

(قال: ((وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ)) والذي ارتضاه الله تعالى لنا هو الذي هو حق عنده دون الخطأ). انتهى

وقال الإمام السرخسي في كتابه (أصول الفقه):

(وقال تعالى: (وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم) وفيه تنصيص على أن المرْضِيَّ عند الله ما هم عليه حقيقةً، ومعلومٌ أن الارتضاء مطلقا لا يكون بالخطأ وإنْ كان المخطئ معذورًا , وإنما يكون بما هو الصواب، فَعَرفْنَا أن الحق مطلقا فيما اجتمعوا عليه). انتهى

قلتُ:

فإذا تتابع أهل العلم المعروفون – مع تطاول الزمان - على الإفتاء بحكم شرعي واحد في مسألة ما , واشتهر هذا الحكم بحيث لا يُعلم خلافه , وبحيث لم يُنقل لمن بعدهم إلا هذا الحكم الشرعي , وبحيث نجد غير واحد من أهل العلم – مع شدة بحثهم – يصرحون بأنهم لا يعلمون في هذا الحكم الشرعي خلافا:

فحينئذ نقطع بأن هذا الحكم هو الحق الذي يرضاه الله تعالى , لأن هذا الحكم هو الذي تم له التمكين بظهوره وانتشاره ونَقْلِهِ من عصر إلى عصر , فَعَلِمْنَا قطعًا أنه من الدين الذي ارتضاه الله تعالى لنا. وعَلِمْنَا أن ما سواه باطل قطعا , وليس من الدين الذي ارتضاه الله تعالى لنا.

إذْ لو كان ما سواه هو الحق: لكان لابد أن يظهر ويستقر ويُنقل إلينا؛؛ لأنه يستحيل – والحال كما وصفنا – أن يكون هذا القول الذي اشتهر هو الباطل , فمن المحال ألَّا تنقل الأمة إلَّا القول الباطل الذي ليس من الدين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير