تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو إسلام عبد ربه]ــــــــ[16 - 01 - 07, 03:45 ص]ـ

الآية الرابعة الدالة على ضمان حفظ الله أقوال العلماء التي بها يُحفظ الدين:

قال الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ). (الحجر: 9).

والحفظ ليس المقصودُ به حِفْظَ اللفظ فقط من التحريف, وإنما يقصد به أيضًا حفظ اللفظ من تحريف معناه. وبالتالي يقصد به حفظ الأحكام الشرعية التي يدل عليها اللفظ.

فلابد أيضا من حفظ أقوال العلماء (الموافقة للحق) في تفسير القرآن, أو أنْ يُحفظ منها ما يتم به وصول الحق إلينا. لأن حفظها هو حفظ للكتاب من تحريف معانيه, فكما نَعْلَم أن هناك بعض النصوص في التوراة والإنجيل لَمْ يَتِمّ تحريف ألفاظها؛ فقاموا بتحريف معانيها , وقد ضَمِنَ الله تعالى أن يحفظ القرآن من مثل ذلك.

فقد روى الإمام البخاري في صحيحه (برقم 3436) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا, فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ؟ فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: كَذَبْتُمْ , إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ. فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا, فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ, فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: ارْفَعْ يَدَكَ. فَرَفَعَ يَدَهُ, فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ .. ) الحديث.

قال الحافظ ابن حجر في شرحه:

(قَالَ الْبَاجِيّ: ظَاهِر الْأَمْر أَنَّهُمْ قَصَدُوا فِي جَوَابهمْ تَحْرِيف حُكْم التَّوْرَاة). انتهى

قلتُ:

وقد ضَمِنَ الله تعالى ألَّا يحدث ذلك في ديننا الذي ارتضاه لنا, فقد ضمن تعالى ألا يضيع الحق في أي مسألة. وضمن ألا يضيع المعنى الذي أراده من نصوص القرآن والسنة.

وننقل إليكم في ذلك تصريحات كبار أهل العلم:

1 - قال الإمام ابن حزم في كتابه (الإحكام في أصول الأحكام) في قوله تعالى ((إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)):

(والحفظ يكون بتبليغ المعنى). انتهى2 – وقال أيضا في كتابه (النبذة الكافية في أحكام أصول الدين):

(من الممتنع أن يجوز أنْ لا تَرِدَ شريعة حقٍّ إلا من هذه الطريق مع ضمان الله تعالى حِفْظَ الذكر النازل مِنْ عنده الذي أوحاه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم, ومع ضمانه تعالى أنه لَمْ يَضِعْ من الدِّين شيءٌ أصلا, ولا يضيع أبدًا ولا بد أن يكون مع كل عصر مِنَ العلماء مَنْ يضبط ما خَفِيَ عن غيره منهم, ويضبط غيره أيضًا ما خَفِيَ عنه, فيبقى الدين محفوظًا إلى يوم القيامة ولا بد). انتهى

قلتُ:

وهذا لا يمكن تحقيقُه إلا بحفظ أقوال العلماء السابقين , أو أن يُحفظ منها ما يتم به وصولُ الحق إلينا. إذْ كيف يمكن للعالم في عصرنا أن يضبط ما خفي عن غيره إلا بعد أن يقوم هو بتحصيل العلم الشرعي, فيتعلم الأصول والقواعد ولغات العرب والتراكيب اللغوية ودلالات الألفاظ, وكل ذلك يتعلمه من خلال مصنفات أهل العلم السابقين, فإذا تصورنا ضياع كل كتب اللغة, وكتب الأصول وغيرها, وبقي القرآن فقط والأحاديث: فكيف يزعم إنسان أنه يستطيع فَهْمَ النصوص مع جهله باللغة التي نزلت بها هذه النصوص الشرعية؟!!

فظهر بذلك وجوب حفظ أقوال أهل العلم السابقين (الموافقة للحق) , أو أن يُحفظ منها ما يتم به وصول الحق إلينا.

أي: يُحفظ منها ما يتحقق به حفظ الدين في كل مسألة من مسائله.

3 - وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل في كتاب (الرد على الزنادقة والجهمية):

(هذا ما أخرجه أبي رحمه الله في الرد على الزنادقة والجهمية, فيما شَكَّتْ فيه من متشابه القرآن وتأولَتْه على غير تأويله.

قال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ورضي عنه: الحمد لله الذي جعل في كل زمانِ فترةٍ من الرسل بقايا من أهل العلم .. ينفون عن كتاب الله تحريفَ الغالين وانتحالَ المبطلين وتأويلَ الجاهلين). انتهى4 – وقد قرر الإمام ابن تيمية هذا المعنى في عدة مواضع من كتبه: فقال في كتابه (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح):

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير