تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهكذا جرى الأمر في جملة الشريعة , فقيض الله لكل علم رجالا حَفِظَه على أيديهم , فكان منهم قوم يُذْهبون الأيامَ الكثيرة في حفظ اللغات والتسميات الموضوعة على لسان العرب حتى قرروا لغات الشريعة من القرآن والحديث, وهو الباب الأول من أبواب فقه الشريعة؛ إذْ أوحاها الله إلى رسوله على لسان العرب.

ثم قَيَّضَ رجالا يبحثون عن تصاريف هذه اللغات في النطق فيها رفعًا ونصبًا وجرًّا وجزما وتقديما وتأخيرا وإبدالا وقلبًا وإتباعًا وقطعًا وإفرادًا وجمعًا إلى غير ذلك من وجوه تصاريفها في الإفراد والتركيب , واستنبطوا لذلك قواعد ضبطوا بها قوانين الكلام العربي على حسب الإمكان, فَسَهَّلَ اللهُ بذلك: الفَهْمَ عنه في كتابه وعن رسوله صلى الله عليه وسلم في خطابه.

ثم قيض الحقُّ سبحانه رجالا يبحثون عن الصحيح من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أهل الثقة والعدالة من النقلة حتى ميزوا بين الصحيح والسقيم, وتعرفوا التواريخ وصحة الدعاوي في الأخذ لفلان عن فلان, حتى استقر الثابت المعمول به من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكذلك جعل اللهُ العظيمُ لبيان السنة عن البدعة ناسًا من عبيده بحثوا عن أغراض الشريعة كتابًا وسنةً, وعما كان عليه السلف الصالحون وداوم عليه الصحابةُ والتابعون ,وَرَدُّوا على أهل البدع والأهواء حتى تَمَيَّزَ أَتْبَاع الحق عن أَتْبَاع الهوى ..

ثم قيض الله تعالى ناسًا يناضلون عن دينه ويدفعون الشبه ببراهينه .. فإنْ عارضَ دينَ الإسلام معارِضٌ أو جادل فيه خصمٌ مناقض؛ غبروا في وجه شبهاته بالأدلة القاطعة, فهم جند الإسلام وحماة الدين.

وبعث الله مِنْ هؤلاء سادًة فهموا عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم , فاستنبطوا أحكاما فهموا معانيها من أغراض الشريعة في الكتاب والسنة, تارة من نفس القول, وتارة من معناه, وتارة من علة الحكم؛ حتى نَزَّلوا الوقائعَ التي لم تُذْكَرْ على ما ذُكِر, وسَهَّلُوا لمن جاء بعدهم طريق ذل , وهكذا جرى الأمر في كل علم توقف فهم الشريعة عليه أو أحتيج في إيضاحها إليه. وهو عين الحفظ الذي تضمنته الأدلة المنقولة). انتهى كلام الإمام الشاطبي

قلتُ:

فلابد قطعا من حفظ أقوال أئمة الجرح والتعديل (الموافقة للحق) في الراوي, لأنها إن ضاعت فكيف يمكن لمن بعدهم تمييزُ الصحيح من الضعيف في الحديث؟!!

ولابد قطعا من حفظ أقوال أهل اللغة (الموافقة للسان العربي فعلا) أو أن يُحفظ منها ما يتم به وصولُ الحق إليناح لأنها إنْ ضاعت: فكيف يمكن لنا فهم لغة القرآن والأحاديث النبوية وكيفية دلالة كل منهما على الأحكام الشرعية؟!!.

ولابد أيضا من حفظ أقوال العلماء (الموافقة للحق) في تفسير القرآن أو أن يُحفظ منها ما يتم به وصول الحق إلينا؛ لأن حفظها هو حفظ للكتاب من تحريف معانيه.

فإنه إذا ضاعت أقوالهم الموافقة للحق؛ ثم نُقل إلينا فقط أقوالهم المخالفة للحق: فكيف يتحقق – حينئذ – حفظ القرآن من تحريف معانيه؟!!

ولابد من حفظ أقوال العلماء (الموافقة للحق) في تفسير حديث الرسول صلى الله عليه وسلم, أو أن يُحفظ منها ما يتم به وصول الحق إلينا.

فإنه إذا ضاعت أقوالهم الموافقة للحق, ثم نُقل إلينا فقط أقوالهم المخالفة للحق: فكيف يتحقق – حينئذ – حِفْظُ كلام النبي صلى الله عليه وسلم من تحريف معاني , وهو الُمَبِّين للقرآن الكريم؟!!

10 - وقال الإمام ابن الجوزي:

(ولَمَّا لم يُمَكَّنْ أحدٌ أن يُدْخِل في القرآن شيئا ليس منه؛ أخذ أقوام يزيدون في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقصون ويبدلون ويضعون عليه ما لم يقل، فأنشأ الله عز وجل علماء يذبون عن النقل، ويوضحون الصحيح ويفضحون القبيح، وما يُخْلِي الله عز وجل منهم عصرًا من العصور، غير أن هذا النسل قد قل في هذا الزمان فصار أعز من عنقاء مُغْرِب .. وقد كان قدماء العلماء يعرفون صحيح المنقول من سقيمه، ومعلولَه من سليمه، ثم يستخرجون حكمه ويستنبطون علمه، ثم طالت طريق البحث مِنْ بعدهم فقلدوهم فيما نقلوا، وأخذوا عنهم ما هذبوا). انتهى

قلتُ:

قوله: (ثم طالت طريق البحث من بعدهم فقلدوهم فيما نقلوا، وأخذوا عنهم ما هذبوا): يدل على أن الحق الذي قرره أهل العلم السابقون لابد أن يُحفظ منه ما يتحقق به حفظ الدين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير