قول الإمام الشافعي:" نَصِيرُ منها " صريح في أنه يختار منها, ولا يخرج عنها, فاجتهاده يقتصر على ترجيح أحد أقاويل الصحابة, دون أن يخترع قَوْلًا مُبْتَدَعًا.
وهذا صريح في أن الإمام الشافعي يرى أن الحق لا يخرج أبدا عن الأقاويل التي بَلَغَتْهُ عن الصحابة – رضي الله عنهم -.
فلابد أن يكون الحق فيما بَلَغَنَا , وليس فيما لَمْ نَعْرِف له قائلا.وهذا يوافق ما تقرر من أن الله تعالى قد ضَمن حفظ أقوال العلماء التي يتحقق بها حفظ الدين.
وإليكم أيضا كلامه التالي:
3 – قال الإمام ابن تيمية:
(وقال الشافعي في الرسالة العتيقة - بعد أن ذكر فَصْلا في إتباع الصحابة للسُّنَّة -: ومَنْ أَدْرَكْنَا ممن يُرْضَى أو حُكِيَ لنا عنه ببلدنا صاروا فيما لَمْ يَعْلَموا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه سُنَّة - إلى قولهم إنْ أجمعوا, وقول بعضهم إنْ تفرقوا, بهذا نقول, ولم نخرج من أقاويلهم, وإن قال واحد منهم ولم يخالفه غيره: أَخَذْنَا بقوله؛ فإنهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعدل). انتهى
وإليكم أيضا كلامه التالي:
4 – قال الإمام الشافعي في كتابه (الأم):
(وَالْعِلْمُ مِنْ وَجْهَيْنِ: اتباع , أَوْ اسْتِنْبَاطٌ. والاتباع اتباع كِتَابٍ, فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَسُنَّةٍ, فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَقَوْلِ عَامَّةٍ مَنْ سَلَفَنَا لَا نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا, فَإِنْ لَمْ يَكُنْ, فَقِيَاسٍ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, فَإِنْ لَمْ يَكُنْ, فَقِيَاسٍ عَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ لَمْ يَكُنْ, فَقِيَاسٍ عَلَى قَوْلِ عَامَّةٍ مِنْ سَلَفٍ لَا مُخَالِفَ لَه , وَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ إلَّا بِالْقِيَاسِ). انتهى
قلتُ:
وهذا – بحمد الله - صريح جدا في أن الإمام الشافعي لا يُجَوِّز مخالفةَ القول الذي بَلَغَنَا عن السلف ولَمْ نعلم له مُخَاِلفًا, بل إنه أوجب القياس على قولهم هذا أيضا.
@@@@@@@@@@@@@@
خاتمة:
إذا صَرَّحَ جَمْعٌ من كبار علماء الأمة بأن الحكم الشرعي لمسألة معينة هو التحريم, وصرحوا بأنهم لا يعلمون أحدًا يخالف في ذلك. وتتابع على التصريح بذلك كبار الفقهاء-كالإمام ابن قدام في كتابه " المغني ", والإمام النووي في كتابه " المجموع ", والإمام ابن تيمية في " مجموع الفتاوي, وغيرهم من كبار العلماء, على اختلاف طبقاتهم وأزمانهم -
فهل يُتصور أن يكون هذا القول هو الباطل, وأن الْحَقَّ ضاع فَلَمْ يَصِلْ إلينا؟!
هل هذا هو حِفْظ الدين الذي تَكَفَّلَ به الله عز وجل؟!
هل هذا هو تمكين الدين الذي ارتضاه لنا الله عز وجل؟!
إن هذا التصور يخالف قوله تعالى: (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ) الآية
هل هذا الحكم الذي شَهِدَ به علماء الأمة وظهر وانتشر – يُتصور أن يكون باطلًا, ويكون الحق قد ضاع فلم يَصِلْ إلينا؟!
إن هذا التصور يخالف قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) الآية
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[16 - 01 - 07, 12:17 م]ـ
أحسن الله إليكم شيخنا الفاضل، وجزاكم الله خيرا على هذا المبحث النافع
(شبهة وجوابها)
قد يقول قائل: فهمنا من كلامكم أن القول الحق لا يمكن أن يخرج عن الأقوال التي وصلتنا واستطعنا الاطلاع عليها، وأنتم تجوزون أن يكون الحق في أي من هذه الأقوال، ولكنه لا يمكن أن يخرج عنها، فيكون كل ما خرجد عنها باطلا لا يصح بحال.
ونحن نعلم يقينا أن ما نستطيع الاطلاع عليه ليس هو كل الموجود، وأن الباحثين يَظْهَرون في كل يوم على الجديد من المخطوطات ونفائس الكتب التي كان يُظن بها أنها مفقودة.
فإذا ظهر كتاب من هذا القبيل ووجدنا فيه قولا لم نجده في غيره من الكتب التي وصلتنا؛ فإما أن تقولوا إن هذا القول يحتمل الصواب، وحينئذ تناقضون أنفسكم في كلامكم السابق، وإما أن تقولوا إن هذا القول باطل ولا يمكن أن يكون حقا؛ لأنه ليس ضمن الأقوال السابقة بيقين، وعليه فلا فائدة من البحث عن الكتب المفقودة ولا عائدة ترجى من النظر فيها، وهذا لا تقولون به أنتم أنفسكم.
فالجواب بحول الله الملك الوهاب ينبني على تقرير أصل وإيضاحه:
¥