ثانيا: لو تأملت صنيع السلف في أمثال هذه الأوامر المتعاطفة لوجدتهم يصرفون بعضها دون بعض في كثير من النصوص، كما في قوله تعالى: {كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده}، وكما في حديث (حق على كل مسلم أن يغتسل يوم الجمعة ويتسوك ويمس من الطيب)، فالذين قالوا بوجوب غسل الجمعة اتفقوا على عدم وجوب التسوك والمس من الطيب، ولو تتبعت النصوص التي تشبه ذلك لوجدتها كثيرة إن شاء الله.
ثالثا: ذكرنا أن قاعدة (الأصل في الأمر الوجوب) مخصوصة بألا يصرفه صارف، وهذا الصارف لا يشترط أن يكون نصا عند جماهير أهل العلم، بل الإجماع الظني كافٍ في صرف النص عن ظاهره.
رابعا: لا يشترط أن يكون الصارف هو حديث المسيء، بل قد يكون الصارف أن الأمر بالاجتهاد في الدعاء ليس أمرا محددا، فليس للاجتهاد في الدعاء تحديد معين، ومن شرط الواجب أن يكون محددا، فلا يصح إيجاب شيء غير محدد، ويحتمل أن يكون الصارف أيضا أن الأمر بتعظيم الرب بيان لقوله تعالى: {فسبح باسم ربك العظيم}، فالوجوب ثبت بالقرآن وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن محله السجود، وأنا لم أبحث طويلا في هذه المسألة، ولكنك لو نظرتَ في كتب أهل العلم لوجدت كثيرا من الصوارف.
وهذه هي المشكلة التي يقع فيها كثير من طلبة العلم، وهي مجرد الاعتراض على أهل العلم الكبار الفحول الذين قضوا عشرات السنين في دراسة العلوم الشرعية بمجرد قولهم (لا دليل عليه)!! مع أنه لم يكلف نفسه أن يبحث، ولو بحث بحثا مستفيضا لوجد كثيرا من الأدلة التي تؤيد مذهب هذا العالم، لا أقول: ترجحه، ولكن على الأقل تجعل له وجها من النظر.
خامسا: قولك هذا إن فرض يلزم القائلين بوجوب التسبيح في السجود، ولا يلزم الذين يصرفون الأمرين عن الوجوب.
وأنا لا أقدم فهمي عن فهم العلماء بل أفهم النصوص بالضوابط التي وضعها العلماء لكن الإشكال ما هو وجة مخالفة هؤلاء العلماء لبعض هذه المسائل دون ذكر الدليل
أحسنت بكلامك هذا يا أخي الفاضل، ولكن يجب أن تعرف أن الضوابط التي وضعها أهل العلم أغلبية وليست كلية، وهم وضعوها تسهيلا على المتعلمين وتقريبا لمسائل العلوم، ولا غنى عن الممارسة والتطبيق العملي، ولذلك نجد كثيرا من المبتدئين من يعترض على أهل العلم بسبب سوء فهمه لما وضعوه من قواعد وخطئه في تطبيق هذه القواعد.
فنحن عندنا أمران:
= قواعد عامة وضعها أهل العلم ونحن نطبقها في فهم النصوص.
= إجماع خاص في هذه المسألة بعينها التي نبحثها.
فإذا وجدنا أن تطبيقنا للقواعد التي وضعها أهل العلم سيجعلنا نخالف هذا الإجماع فحينئذ ينبغي أن نرجع إلى أنفسنا وننظر في كيفية فهمنا وتطبيقنا لهذه القواعد، ولا يصح أبدا أن نستعمل القواعد التي أخذناها من أهل العلم في إبطال كلام أهل العلم، فإن إبطال كلامهم في هذا الإجماع الظني ليس بأولى من إبطال كلامهم في القاعدة التي أخذناها منهم، بل تخطئة الإنسان نفسه في فهم وتطبيق القاعدة أولى من اتهام جميع العلماء أنهم قعدوا القواعد وخالفوا أنفسهم.
ثم لو كان هناك دليل يصرف هذا النص عن ظاهره لماذا لم يحكه أهل الإجماع ويكون ذكر النص هو الدليل ويتأيد بالإجماع لأنه كما هو الراجح الإجماع المعتبر شرعا لا بد له من مستند فأين هو في المسائل التي خالفت ظواهر النصوص الشرعية
في أغلب الأحيان يذكر أهل العلم هذا الدليل، فإذا بحثت وأمعنت في البحث فستجدهم ذكروا هذا الدليل الصارف في الأغلب الأعم، ولكنهم قد يتركون التنبيه على هذا الدليل إما لوضوحه، وإما لعدم الاحتياج إليه لأنهم كثيرا ما يكتفون بالإجماع، ولأن هذا الدليل قد يكون قرينة خفية لا يفهمها معظم الناس، فحكاية الإجماع في هذه الحالة أقوى من الاستناد لشيء يمكن المنازعة فيه.
فأنت هنا تلزم أهل العلم أن يذكروا شيئا وهم لم يلتزموا ذلك أصلا، فتأمل!
ـ[كريم صلاح الدين]ــــــــ[11 - 03 - 07, 05:42 م]ـ
لا أريد قطع الحوار ..
عندي تعقيب على قول الأخ مجدي:
(والأمثلة على ذلك كثيرة أبسط مثال كتاب مراتب الإجماع لابن حزم هل كل المسائل التي ذكرها فيها وحكى فيها الإجماع لا يتصور فيها خلاف؟؟ أم هل هي معلومة من الدين بالضرورة؟؟ بالطبع لا)
قال ابن حزم في نهاية الكتاب المذكور: (قال أبو محمد قد أوضحنا قبل والحمد لله رب العالمين أن الإجماع لا يكون البتة إلا عن نص منقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا على باطل لم يأت من عند الله تعالى من رأي ذي رأي أو قياس من قائس يحكمان بالظن)
و لا حظ تفريق ابن حزم بين (أجمعوا على الشئ) و (اتفقوا على الشئ) فالاتفاق عنده يختلف عن الإجماع.
نعود لمحل الخلاف .. كما يطرحه الأخ مجدي
هل الإجماع (الظني) الذي لا نعرف له مخالفا و لا يستند إلى دليل من النص، مقدم على فهمنا للنص ذي الدلالة الظاهرة غير القطعية؟ أم العكس؟
يعني: أي الظنيين أولى بالتقديم؟
أترككم للمتابعة و أتابع معكم .. و لن أعقب حتى تنتهوا
¥