أحدهما: ان ابن قتيبة لم يذكر ذلك بالإسناد ومعلوم أنه منقطع عندئذٍ إذ توفي العنبري سنة 168هـ وولد ابن قتيبة سنة 213هـ.
الثاني: أنه ورد عن العنبري ما يقتضي التخطئة وهو يخالف ما ذكروا عنه فقد روى اللالكائي في الاعتقاد (4/ 810 - 811) برقم (1363) قال:
أخبرنا محمد بن إبراهيم النجيرمي قال حدثنا أبو يعقوب يوسف بن يعقوب النجيرمي قال حدثنا عبد الرحمن بن أحمد القاضي قال ثنا أبو حاتم الرازي قال ثنا فهد بن المبارك قال ثنا إدريس صالقصير عن أبيه قال شهدت عبيد الله بن الحسن العنبري واختصم إليه رجلان فقال أحدهما إشتريت منه عبدا على أنه ليس به داء ولا علة ولا غليلة بيع المسلم للمسلم وأنه قدري
فقال عبيد الله بن الحسن له إنما إشتريت مسلما ولم تشتر كافرا فرد عليه)
وذكر اللالكائي ايضا (4/ 781) في تكفير القدرية قال: وعن مالك بن أنس والأوزاعي وعبيد الله بن الحسن العنبري يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا
وذكر الخطيب في تاريخه عن ابن مهدي قال: كنا في جنازة فسألته عن مسألة فغلط فيها فقلت له أصلحك الله أتقول فيه كذا وكذا فاطرق ساعة ثم رفع رأسه فقال إذا ارجع وأنا صاغر لأن أكون ذنبا في الحق أحب إلي من أن أكون رأسا في الباطل.
الثالث: ان الأئمة ترجموا له في كتب الحجرح والتعديل ولم يذكروا شيئا من ذلك بل اثنوا عليه خيراً واستشهد بكلامه في كتب السنة.
قال الآجري قلت لأبي داود عبيد الله بن الحسن عندك حجة؟ قال: كان فقيها.
وقال النسائي: فقيه بصري ثقة
وقال محمد بن سعد: ولي قضاء البصرة بعد سوار بن عبد الله وكان ثقة محمود عاقلا من الرجال.
وقال ابن حبان: من سادات أهل البصرة فقها وعلما.
وقال الخطيب البغدادي: كان ثقة.
واخذ عنه عبد الرحمن بن مهدي وهو من هو في الجرح والتعديل ولم يرو عنه أنه جرحه ببدعة، وأخرج له مسلم في صحيحه.
التاريخ الكبير للبخاري (5/ 376) الجرح والتعديل لابن ابي حاتم (5/ 312) سؤالات الآجري (ص 368) الثقات لابن حبان (7/ 143) تاريخ بغداد (10/ 306) تهذيب الكمال (19/ 23) تهذيب التهذيب (7/ 7)
الرابع: ان هذا القول له لوازم باطلة وشنيعة إذا يلزم منه عدم تخطئة من كفر ببدعته أو فسق بها فيكون القدرية والجهمية والخوارج والرافضة وغيرهم على صواب وهذا لايقول به أحد من أهل السنة بل لا يقول بتصويب الجميع أحد من هذه الطوائف أو غيرهم فيبعد ان يقول بهذا رجل ينتسب إلى السنة كعبيد الله بن الحسن.
أما نسبة القول للجاحظ فنقل عنه الأصوليون قولين:
أحدهما: أنه يصوب الكل.
والثاني: أنه يرى الحق واحدا لكنه ينفي الإثم عن المخطيء وهذا ما ينسبه إليه أكثر الأصوليين وهو الذي رجحه الزركشي ونفى نسبة القول الأول للجاحظ وهذا القول هو الذي يوافق النص المنقول عنه حيث يقول: (إن كثيرا من العامة والنساء والبله مقلدة النصارى واليهود وغيرهم لا حجة لله تعالى عليهم إذ لم يكن لهم طباع يمكن معها الاستدلال) البحر المحيط (6/ 238)
وهذا ظاهر في أنه اراد نفي الإثم لا التصويب، وعلى كل فلو ثبت عنه التصويب فلا يعتد بقوله والجاحظ من رؤوس المعتزلة، وافجماع منعقد على أن الحق واحد في القطعيات قبله كما ذكر الرازي في المحصول وابن السبكي في الإبهاج.
ثالثاً: في مسألة الظنيات هنا أمران ينبغي التنبيه عليهما:
أحدهما: المصوبة _ أي من يرى أن كل مجتهد مصيب _ طائفتان:
1 - من يعتقد وجود حكم معين في كل حادثة وهو حكم المجتهد بحيث لو كان الله يريد حكما لما حكم غلا به وهو يفسر قولهم: (القول الأشبه عند الله) و (الأشبه معين عند الله) و (واحد من الجملة أحق) واختار هذا القول كثير من الحنفية ومنهم الجصاص والكرخي وعيسى بن أبان والجرجاني وحكي عن أبي حنيفة ومحمد بن الحسن وأبي علي الجبائي من المعتزلة.
2 - من يعتقد عدم وجود مثل هذا الحكم فجميع ما يتصور أن يكون حكما لله تعالى في المسألة سواء.
الثاني: المخطئة _ أي من يرى ان المصيب واحد _ اختلفوا في الدليل المنصوب على المسألة:
فقال بعضهم: إنه لا دليل على هذا الحكم المعين عند الله في الواقعة فهو كدفين يعثر عليه المجتهد بالصدفة.
وقال آخرون: بل عليه دليل ثم انقسموا:
فقالت طائفة: الدليل ظني ثم منهم من يرى أنه مكلف بإصابة هذا الدليل قطعاً فإن أخطأه لم يكن ماجوراً ومنهم من لا يرى إصابته مما كلف به قطعاً وهو قول الأكثر.
وقالت طائفة بل الدليل قطعي ثم يختلفون في تأثيم من أخطأه.
وأكثر أهل العلم على أن المخطيء في الظنيات لا يأثم خلافاً لبعض المتكلمين وينسب للظاهرية وللإمام مالك و المذكور عن مالك والظاهرية خلافه وينسب للإمامية وبعض الشافعية.
وأما المخطيء في القطعيات من أهل القبلة فالصواب أنه قد يعذر إذا بذل وسعه في الاجتهاد وكان ذلك مما يحتمل الخطأ وهو ما قرره ابن حزم وابن تيمية ونقلاه عن السلف كالثوري وأبي حنيفة والشافعي وداود الظاهري.
الفصل (3/ 292) مجموع الفتاوى (20/ 33)
وينظر للفائدة في هذه المسائل كتاب القطع والظن عند الأصوليين للشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري (2/ 434) وما بعدها.
¥