وشرع في أول الأمر أن يقاتل من قاتله وبعد ذلك شرع أن يقاتل من قاتله ويبدأ بالقتال، وذلك كله بالتبع للقوة فليس في استطاعة الخليفة أن يجاهد إلا بأمته فهذه الشروط إذًا لا ينازع فيها أحد فهي مما أجمع عليه. بقيت الشروط التي اختلفوا فيها، ومنها الاجتهاد فوجب في الإمام وكذلك القاضي أن يكون مجتهدًا وعلى ذلك كان السلف الصالح وقد استمر القضاء في مصر يتولاه المجتهدون إلى أن تضعضع الأمر فعهد في ذلك إلى غير المجتهدين، وجوّزوا أن يعمل برأي المفتي في القضاء وألا يكون الإمام مجتهدًا وأن يكتفي برأي العلماء.
فقال حضرة الأستاذ عبد العزيز الثعالبي أفندي: من الذي ألغى الاجتهاد؟ فقال حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد بخيت: حصل خلاف: هل يتجزأ الاجتهاد أو لا يتجزأ؟ والذي يتجزأ يختص ببعض المسائل والفروع، وقد كان بعض الصحابة يرجع إلى بعض فيما لم يبلغ فيه مرتبة الاجتهاد المطلق.
وأما مجتهد المذهب فهو القادر على استخراج المسائل الفرعية من قواعدها التي وضعها العلماء، وكذلك مجتهد الفتوى. هذا هو الأصل وقد تعذر الآن، ومعنى ذلك أنه لا يمكن مجتهد اليوم أن يستنبط غير ما استُنبط أو يَخرج عما قالوه ودونوه في كتبهم.
فقال حضرة الأستاذ عبد العزيز الثعالبي أفندي: ما قول الأستاذ في: (يحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا [1]).
فقال حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد بخيت: لقد حدث حادث السكورتاه والحوالات المالية وتكلم في ذلك المتأخرون بالقياس على ما قاله المتقدمون ولا يخرج عن المذاهب التي كانت في الزمن الماضي.
ومن شروط الإمام أن يكون عدلاً فإذا وجدنا عدلاً شجاعًا لا يعدل عنه وإذا لم نجد من يجمع بين الشرطين فالشجاعة هي المطلوبة للدفاع عن الأمة. ومن الشروط أيضًا القرشية وقد اختلفوا فيها وتكلموا في قول النبي صلى الله عليه وسلم:
(الأئمة من قريش) فقالوا هل حصر الأئمة في قريش لأنهم كانوا أصحاب عصبية في ذلك الوقت فالمناط العصبية؟ [2] وإذا كان الباقلاني قد تكلم في ذلك فبصفته متكلمًا لا فقيهًا.
وهنا رفعت الجلسة لصلاة المغرب؛ إذ كانت الساعة السابعة مساءً.
ثم أعيد انعقاد الجلسة الساعة السابعة والنصف.
فأخذ حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد بخيت يكمل كلامه وقال: إن هذا التقرير بالاختصار اشتمل على مسائل ثلاث. وإن حقيقة الخلافة على الوجه المذكور في التقرير لا خلاف فيها وهي مسألة مفروغ منها. وهل يستطيع أحد أن يقول إن الخلافة ليست هي الرياسة العامة كما في التقرير؟ طبعًا لا ينازع في ذلك أحد. فلا معنى لأن يكون ذلك موضع بحث ويجب أن يقبله الجميع.
ولا يمكن أن نقول: إن الخلافة روحية فقط كما قال الملحدون فإنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض. فالشروط المجمع عليها هي أن يكون الخليفة مسلمًا حرًّا ذكرًا شجاعًا بصيرًا، وليس لأحد أن يناقش في ذلك الإجماع.
وإن من الشروط المختلف فيها الاجتهاد والنسب والعدالة، وأن الذين خالفوا في القرشية اعتمدوا على أن حديث (الأئمة من قريش) قابل للتأويل. وقد قال بعض العلماء: إن العدالة لا تتحقق في الواقع ونفس الأمر. والضرورات تبيح المحظورات.
وتعلمون أن شرعنا جاء بمراعاة مصالح العباد. ومن هنا أمكن القياس في المسائل لأن النصوص قواعد معللة وهذا يمكن من مراعاة المصلحة. ولكم أن تنظروا ذلك في جلسة أخرى يكون موضوع البحث فيها المسائل التي وقع فيها الخلاف؛ وأعود فأقول: إذا بحثنا في القرشية فما الذي يتبع في إثبات النسب أبالطريقة التي كان يتبعها السلف أم بغير ذلك؟ وإذا كان هناك قرشي فهل توجد فيه الشجاعة والعلم أي الفهم.
على أن الإسلام والشجاعة والعلم إنما ينظر إليها عند التنفيذ والتطبيق وليس كلامنا الآن في ذلك وإنما هو في بيان الشروط، وأما البيعة فمبينة في كتاب الأحكام السلطانية وكذلك أهل الحل والعقد.
وقال حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ أحمد هارون: لا نفصل في التقرير الأول الآن ونريد أن يتلى التقرير الثاني ثم يؤخذ الرأي.
فقال حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ حسين والي: هذا تقرير وذاك تقرير آخر وقد حصلت مناقشات كثيرة، فإذا استحسنتم فليرجأ النظر إلى الغد.
¥