تكشف الوثائق التي يعرضها الكتاب أن كثيرا من زعماء اليهود كانوا يتحولون إلى الكاثوليكية، إذ أن التنصر كان وسيلة للإقامة فى إسبانيا. وقد استخدمت عائلة باياتشى تنصر بعض أفرادها لكى يكون لها مكان بين الشرق والغرب، بين المسلمين والمسيحيين، بحيث يمكن استغلال ذلك الوضع المتميز لتحقيق مكاسب لها.
- اليهود والعامل الاقتصادى:
يوضح الكتاب سببا اقتصاديا لوجود اليهود في المغرب، فقد اشتهر اليهود بمهارتهم في أعمال التجارة، ولذلك كان الملك والأعيان يستخدمون اليهود في إدارة أعمالهم.
اليهود مهرة فى استغلال أى شئ لصالحهم. فعلى سبيل المثال انتصر المغاربة علي البرتغاليين في معركة القصر الكبير وأسروا عددا من النبلاء البرتغاليين. أقام هؤلاء في السجن انتظارا لان يأتي أحد فيدفع فديتهم، ولما كان الأسرى من الأغنياء فقد اقترضوا أموالا من اليهود لإنفاقها وهم في الأسر، وفي المقابل أعطوا اليهود مستندات يمكن صرفها في البرتغال.
من باب استغلال الظروف أيضا أن اليهود قد تخصصوا في مهن يحتقرها المسلمون مثل شغل المعادن، فكان من بين اليهود صائغو الذهب وصنّاع الأسلحة.
7 - ملوك وملوك:
الكتاب فرصه للتعرف علي احمد منصور الذهبي، ذلك السلطان الذي جعل من مراكش عاصمه للثقافة والتجارة والتصنيع، وبذل جهودا جبارة للنهوض بدولته، بل وحاول أن يتحالف مع الإنجليز للاستيلاء علي بلاد العالم الجديد وتقاسم السيطرة عليها، وقد وسع أحمد المنصور ملكه جنوبا وحصل علي الذهب واستولي علي مواقع استراتيجية.
ورد فى الكتاب ما يقوله مؤلف مجهول أن احمد المنصور سلطان فاس قد أرسل إلى ملوك أوروبا يطلب منهم حرفيين مهره في جميع أنواع الفنون وإن الملوك قد أرسلوا إليه ما طلبه. نحن نستغرب ذلك، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن مملكة فاس كانت في حرب ضد البرتغال وإسبانيا.
إذا كنا نشيد بأحمد المنصور فان ابنه مولاي الشيخ كان علي النقيض تماما، فقد نازع أخاه مولاي زيدان الملك، ولم يترفع عن التحالف مع الإسبان ضد أخيه، بل أراد أن يسلم ميناء العرائش إلى الإسبان مقابل دعم الإسبان له ضد أخيه بدفع مبلغ من المال ومنحه السلاح، وقد دخلت القوات الإسبانية الميناء بالفعل عام 1610 وأخلته من سكانه الأصليين.
8 - العامل الدينى والعامل الاقتصادى:
رغم صدور قرار طرد اليهود من إسبانيا عام 1492 إلا أن السلطات الإسبانية كانت تستثنى من القرار بعض ذوى الثقة ممن كان بإمكانهم تقديم خدمات، ويوضح الكتاب أنه اعتبارا من عام 1493 - أي بعد مرور عام واحد علي قرار الطرد- أصبح بإمكان اليهود المطرودين العودة إلى إسبانيا.
الملفت للنظر أن الدوافع الاقتصادية كانت وراء منح تسهيل إقامة لليهود في أوروبا، ففي بعض الدول الأوروبية كان يسمح بحرية العبادة، وكان هذا التساهل يمنح لليهود. والمرء لا يستطيع إلا أن يتساءل: هل كان للمسلمين نصيب من ذلك التسامح، أو بالأحرى، لماذا لم يكن هناك تسامح مع المسلمين أيضا؟ هل كان السبب أن المسلمين كانت لهم إمبراطورية عثمانية تحميهم، ومن ثم كانوا مصدر خطر محتمل، فى حين أن اليهود لم يكونوا يشكلون خطرا حينذاك؟
أدى عدم اعتراض السلطات الإسبانية علي عودة اليهود إلى أراضيها من جهة، وتشدد البرتغاليين في التضييق علي اليهود من جهة أخرى، إلى هجرة اليهود من البرتغال إلى إسبانيا، وكان المهاجرون كثيرين لدرجة أن كلمة "برتغالي" في القرن السادس عشر في إسبانيا كان معناها يهودي.
كان فيليبى الثالث على استعداد لإبداء التسامح الدينى مقابل أن تدفع إليه أموال، وعلى هذا فقد حصل اليهود المتنصرين فى عهده على بعض الامتيازات عام 1601 بعد أن دفعوا مبلغا كبيرا من المال، وكان ذلك ضد إرادة الكنيسة، وقد وصل الأمر إلى أن الملك الإسبانى توسط لدى البابا حتى تنقضى الدعاوى المقامة ضد يهود أمام محاكم التفتيش البرتغالية عام 1605. من الغريب أن ذلك "التسامح" لم يشمل الموريسكيين رغم استعدادهم لدفع أموال. كان هناك مرسوم بابوى يحظر على المسيحيين إمداد المسلمين بالأسلحة، وعلى الرغم من ذلك تغلبت لغة المصالح وحصل المغرب على حاجته من السلاح.
9 - فرق تسد:
¥