وقد قيل لعبد الرحمان بن عيسى بن مدراج: ما قولك فى قوم من أهل الخير يجتمعون ليلة قبل ينّير أو ليلة بعده مع أقاربهم وأصهارهم فيأكلون الإدام والفاكهة ويجتنبون الليلة المذمومة؟. فقال: كلّ ذلك منه وحواليه، ومنع ذلك. وقد قال غيره: أىّ بدعة أفحش وأسمج من أن يكون المسلمون يحتفلون ويستعدّون لدخول شهر أو سنة من شهور العجم وهم أعداؤنا وإنمّا عاديناهم على كفرهم بالله، وقد قال تعالى: "يأيها الذين آمنوا، لا تتّخذوا عدوى وعدوّكم أولياء تُلقون إليهم بالمودّة وقد كفروا بما جاءكم من الحقّ ... " فأىّ مودّة أبين من تعظيم أعيادهم. وأىّ ولاية تكون أعظم من التشبّه بهم والتفخيم لأمرهم والمشاركة لهم فى ضلالهم وكفرهم، بالها مصيبة ما أجلّها، إنّا لله وإنّا إليه راجعون.
أنّ من أعظم أسباب هذه البدعة وأقوى دواعيها مطاوعة الرجال للنساء على الاستعداد لها والتفخيم لشأنها وانقيادهم لهنّ فى ذلك عاماً بعد عام حتى رسخت فى صدورهم وتصوّرت فى عقولهم وتاقت إليها أنفسهم، وقد نبأنا القرآن ونبأهم بما أمتحن الله به آدم (عليه الصلاة السلام) من البلاء والندم لمّا أطاع حوّاء زوجه على أكل الشجرة. وقد جاء فى الحديث عنه (صلى الله عليه وسلم) قال: شاوروهنّ وخالفوهنّ. وقال (صلى الله عليه وسلم): طاعة النساء ندامة.
قال بعض العلماء: لو أنّ رجلاً قام السنة كلّها وصامها إلا ما لا يُصام منها ولا يُقام، وفعل ذلك بنيّة خالصة لله صادقة، إلا أنّه يساعد أهله ويستعدّ لتلك الليلة المبتدعة، ورجلاً آخر لا يزيد على الفريضة وهو ممنْ لا يستعدّ لتلك الليلة إلا بما كان يفعله أبداً فى غيرها من الليالى حذراً لشرّها واجتناباً لبدعتها، لكان هذا الرجل الذى لا يزيد على الفريضة عند أهل العلم والورع أفضل من ذلك المجتهد المتلطّخ بالبدعة وأهدى وأتقى.
ولا تُقبل للذى يستعدّ لها شهادة، ولا يصلّى خلفه إلا أن يتوب إلى الله، عزّ وجلّ، من ذلك توبة صادقة. ولا تقبل هدية لأحد فى يوم النيروز، ولا فى ليلة المهرجان، وفى ليلة يسمونها ليلة العجوز. ومنْ قبل الهدية فى هذه البدع الثلاث من أحد، فقد شرك المبتدعين لها فى إثمها وعارها.
ومما ينبغى أن يشدّد على الناس فيه ما يصنع فى النيروز من الصور المنهى عنها التى وردت الآثار عن النبى (صلى الله عليه وسلم) بالمنع من فعلها، لقوله (عليه الصلاة السلام): منْ صوّر صورة كلّف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ أبداً. وقال (عليه السلام): لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة. وقال ابن عباّس (رضى الله عنه) لرجل سأله عن ذلك،: إن أبيت، أخى، فعليك بالشجر وبكل ما لا روح له.
ومما فتن الناس فيه السؤال عن مولد عيسى (عليه السلام)، فكثيراً ما يتساءلون عنه. أو ليس كانوا بميلاد نبيّنا محمد (عليه السلام) أولى والتهمّم به ومعرفته، فكثير منهم لا يعلمون ذلك.
ومولده (صلى الله عليه وسلم) عام الفيل يوم الاثنين لاثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الأوّل وتوفى (صلى الله عليه وسلم) ضحى يوم الاثنين لاثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الأوّل سنة إحدى عشرة من الهجرة (صلى الله عليه وسلم وشرّف وكرّم). هذا أولى أن يُسأل عنه ويتهمّم بمعرفته وحفظه لفضله وبركته (صلى الله عليه وسلم).
وقد كان (رحمكم الله) جماعة من السلف الصالح يصبحون فى يوم ينّير صياماً، ويأتون المساجد فيقيمون يومهم فيها يصلّون ويذكرون الله فيها، ولا يأكلون يومهم ذلك إداماً ولا فاكهة. وقد كان خالد بن سعد قال: حدّثت عن شيوخ بنى قاسم بن هلال أنهم كانوا إذا كانت ليلة ينّير ليس يوقد عندهم نار ولا يُطبخ عندهم شيء. حكى أيضاً قال: سمعت محمد (ا) بن مسروق يقول: كان عندنا قوم يُقال لهم ينو الأسباط كان لا يوقد عندهم نار ليلة ينّير، أو كما قال، وكانوا علماء (رحمهم الله وغفر لهم).
وذكر ابن حبيب (رحمه الله) عن بعض حكماء السلف أنه كان يقول: إيّاكم، يا معشر النساء، لا ترششن بيوتكنّ بالماء يوم العنصرة، ولا تلقين فى ثيابكنّ ورق الأكرنب ولا تغتسلن فى ذلك اليوم إلا من جنابة، فمنْ فعل ذلك منكنّ فقد شرك فى دم يحيى بن زكرياء (صلى الله عليه وسلم).
¥