وما أبعد أن تصانيفه إلى الآن تبلغ خمسمائة مجلد، وترجمه في معجم شيوخه بترجمة طويلة، منها قوله: شيخنا وشيخ الإسلام، وفريد العصر علماً ومعرفة وشجاعة، وذكاء وتنويراً إلهياً، وكرماً ونصحاً للأمة، وأمراً بالمعروف ونهيا عن المنكر. سمع الحديث وأكثر بنفسه من طلبه وكتابته، وخرج ونظر في الرجال والطبقات، وحصل مالم يحصل غيره. وبرع في تفسير القرآن، وغاص في دقائق معانيه بطبع سيال، وخاطر وقاد إلى مواضع الإشكال ميال، واستنبط منه أشياء لم يسبق إليها. وبرع في الحديث وحفظه فقل من يحفظ ما يحفظه من الحديث، مع شدة استحضاره له وقت الدليل، وفاق الناس في معرفة الفقه واختلاف المذاهب وفتاوى الصحابة والتابعين. وأتقن العربية أصولاً وفروعاً ونظر في العقليات، وعرف أفعال المتكلمين، ورد عليهم ونبه على خطئهم، وحذر منهم، ونصر السنة بأوضح حجج وأبهر براهين. وأوذي في ذات الله تعالى من المخالفين، وأخيف في نصر السنة المحفوظة حتى أعلى الله تعالى مناره، وجمع قلوب أهل التقوى على محنته والدعاء له، وكبت أعداءه، وهدى به رجالاً كثيرة من أهل الملل والنحل، وجبل قلوب الملوك والأمراء على الانقياد له غالباً وعلى طاعته، وأحيا به الشام بل الإسلام بعد أن كاد ينثلم، خصوصاً في كائنة التتار. وهو أكبر من أن ينبه على سيرته مثلى، فلو حلفت بين الركن والمقام: إني ما رأيت بعيني مثله، وإنه ما رأى مثل نفسه لما حنثت.
يقول أبو حفص زين الدين عمر بن مظفر بن عمر بن محمد
ابن أبي الفوارس بن الوردي المعري الكندي: {749:ت}:
((كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث))
وروى المحدث الحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير البصروي الشافعي: {774:ت}: عن ابن دقيق العيد أنه لما رأى شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية قال:
"ما أظن بقى شيء مثلك"
وقال العلامة:أبو المظفر جمال الدين يوسف بن محمد بن مسعود بن محمد العبادي العقيلي السرمري الحنبلي الدمشقي: {776:ت}: في أماليه:
ومن عجائب زمننا في الحفظ ابن تيمية كان يمر بالكتاب وكان يمر بالكتاب مطالعة فينتقش في ذهنه وينقله في مصنفاته بلفظه ومعناه وقد ترجم له ((الصفدي)) وسرد في أسماء تصانيفه في ثلاثة أوراق كبار ومن أنفعها كتابه في ((إبطال الحيل)) فإنه نفيس جداً وكتابه ((المنهاج في الرد على الرافضي)) في غاية الحسن.
يقول: زين الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن العيني الحنفي الدمشقي: {839:ت}:
شيخ الإسلام العيني الحنفي فيما كتب على الكتاب المذكور: وما هم أي
المنكرون على ابن تيمية - رحمه الله تعالى - إلا صلقع بلقع سلقع، والمكفر منهم
صلعمة بن قلمعة، وهيان بن بيان، وهيّ بن بيّ، وضل بن ضل، وضلال بن
التلال. ومن الشائع المستفيض أن الشيخ الإمام العالم العلامة تقي الدين ابن تيمية
من شمّ عرانين الأفاضل، ومن جمّ براهين الأماثل، (قال): وهو الذابّ عن
الدين، طعن الزنادقة والملحدين، والناقد للمرويات عن النبي سيد المرسلين،
وللمأثورات عن الصحابة والتابعين، فمن قال: إنه كافر فهو كافر حقيق، ومن
نسبه إلى الزندقة فهو زنديق، وكيف ذلك؟ وقد سارت تصانيفه إلى الآفاق، وليس
فيها شيء مما يدل على الزيغ والشقاق. ولكن بحثه فيما صدر عنه في مسألتي
الزيارة والطلاق، عن اجتهاد سائغ بالاتفاق، والمجتهد في الحالين مأجور ومثاب،
وليس فيه شيء مما يذم أو يعاب. (قال): ولا ريب أنه كان شيخًا لجماعة من
علماء الإسلام، ولتلامذة من فقهاء الأنام، فإذا كان كذلك، كيف لا يطلق عليه شيخ
الإسلام؛ لأن من كان شيخًا للمسلمين يكون شيخًا للإسلام.
يقول: أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الطائي البساطي المالكي المصري القاهري: {842:ت}:
وأما قول من قال إنه - يعني ابن تيمية -
كافر، وإن من قال في حقه إنه شيخ الإسلام كافر - فهذه مقالة تقشعر لسماعها
الجلود، وتذوب لسماعها القلوب، ويضحك إبليس اللعين بها ويشمت، وينشرح
بها أفئدة المخالفين وتسمت، ثم يقال: كيف لو فرضنا أنك اطلعت على ما يقتضي
هذا في حقه، فما مستندك في الكلام الثاني، وكيف تصح لك هذه الكلمة المتناولة
لمن سبقك ولمن هو آت بعدك إلى يوم القيامة؟ وهل يمكنك أن تدعي أن الكل
¥