قلت: أولاً لم يبيّن لنا الباحث من أي فروع كنانة بني شعبة؟! فكنانة قبيلة جاهلية قديمة، ثم من المؤرخ أو النسابة الذي قال بكنانية بني شعبة؟! والصحيح أنّ بني شعبة من قبيلة تغلب ذكر هذا ابن سعيد (ت685هـ) حيث يقول: " ... ودخلت جزيرة العرب، فسألت: هل بقي في أقطارها أحد من ربيعة؟ فقالوا: لم يبق ... ، وبني شعبة المشهورين بقطع الطرقات ... في أطراف الحجاز مما يلي اليمن والبحر ... "، وقال أيضًا: " .. بنو شعبة الذين يقطنون الطرقات، وهم من بني تغلب. ولم يبق في البادية ممن يُنسب لتغلب وله قائمة غيرهم" (6).
كذلك الجحادلة أيضًا لم يبيّن لنا من قال بكنانيتهم، وقد ذكر عاتق البلادي أنّ الجحادلة من فروع بني شعبة! (7) وبهذا نعلم أنهم من تغلب لأنهم جزء من قومهم بني شعبة، إذن ما علاقة تغلب بكنانة؟؟!
ثم إنه لو كان كلامه مقبولاً لوجدنا مثلاً صلات بين قبيلتي عدوان التي تقطن الطائف وقبيلة فهم الموجودة حاليًّا في تهامة فليس بين القبيلتين أي تواصل رغم أنهما من عمرو من قيس عيلان؟! كذلك قبيلة بلحارث هي جزء من قبيلة زهران وانقطعت الصلة بينهم ذكر هذا الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله- (8).
6 - ذكر أنّ الحروب كانت تقع بين هذيل وكنانة، وذكر أنّ لهذيل أيضًا حروبًا مع سعد هوازن وخاصة فيما يقرب من البوباة في الجاهلية واستمرارها في الإسلام إلى وقعة استقلال بني سعد بجبل عروان قرابة 300هـ، ولشدة ما وقع بينهما من عداء قام حلف شبابة وخندف؛ فهذيل خندفية النسب من مدركة بن إلياس بن مضر، والتحقت بها قبائل غير خندفية النسب عداءً لعتيبة. ثم قال: ومن المعروف أن كنانة رأس خندف فلو كانت عتيبة كنانية لما ميّزت هذيل هذا الحلف باسم خندف ما دام أن رأس الحلف المخاصم لها خندفي أيضاً؛ فالتسمية بشبابة تنفي علاقته بخندف وتؤيد صلته بقيس إذ بين القيسية وخندف حروب معلومة وتنافس ظاهر، بينما الحروب التي قامت بين هذيل وكنانة في الجاهلية كانت في أغلبها غارات صعاليك ولم تصل إلى حد قيام حلفين مضادين.
قلت: حروب سعد هوازن وكنانة مع هذيل دونها بعض المؤرخين، أما تفسيره إلى وقعة استقلال بني سعد بجبل عروان وأنها سعد هوازن فهذا غير صحيح ليس لعدم وجود مصدر فحسب؛ بل لأنّ الهمداني نص على من استقل بجبل عروان هم سعد كنانة، وتعليله أن الحرب قامت على أثر تلك الحروب فهذا ما لم يأتِ على ذكره أحد من المؤرخين، خاصة أنّ ابن شبّة المتوفى سنة 262هـ يقول:" وعن شرقي خطة مزينة .. بنو سليم بن منصور أيضًا، وسعد ابن بكر بن هوازن بن منصور إلى دار خلدة بن مخلد الزُّرَقِي. وأدنى دار أمّ عمرو بنت عثمان بن عفان، إلى بيوت نفيس بن محمد، مولى بني المعلى في بني زُريق من الأنصار، إلى أن تلقى بني مازن بن عَدِيّ بن النجار؛ فهؤلاء الذين نزلوا مع مزينة، ودخل بعضهم في بعض. ونزلوا جميعًا لأن دارهم في البادية واحدة" (9).
وقد ذكر السمهودي المتوفى سنة 911هـ نقلاً عن ابن شبة خبرًا يفيد بوجود بني سعد بن بكر في المدينة المنورة حيث يقول:" ونقل ابن شبة في تأديب عمر ابن الخطاب الرعية في أمر دينهم أنّ رجلاً من أشجع يقال له بقيلة كان غازيًا، فبلغه أنّ جَعْدة بن عبدالله السلمي يحدث النساء، وأنّ جواريه يخرجن إلى سلع فيحدثهن، ثم يعقل الجارية ويقول: قومي في العقال فإنه لا يصبر على العقال إلا حصان، فتقوم ساعة ثم تسقط، فربما تكشفت، فكتب الأشجعي إلى عمر:
أَلاَ أَبْلِغْ أَبَا حَفْصٍ رَسُولا
فَمَا قُلص تَقُمْنَ مُعْقلاَتٍ
قلائصُ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ
يُعقِلُهُنَّ جعْدَةُ مِنْ سُلَيْمٍ فِدًى لَكَ مِنْ أَخِي ثقة إِزَارِي
قفَا سَلعٍ لمخْتَلفِ النِّجَارِ
أَوْ اسْلم أَوْ جُهَيْنَة أَوْ غفَارِ
مُعِيدًا يَبْتَغِي سَقْطَ الْعَذَارِي
... فدعا عمر بجعدة فقال: أنت لعمري كما وصف "أبيض شيظمي"، وسأله فأقرّ، فضربه مائة معقولاً، وغرَّبه إلى الشام، فكُلِّم فيه، فأذن له على أن لا يدخل المدينة .. " (10).
وقد روى أبو علي الهجري في كتابه"التعليقات والنوادر" عن رواة منهم وسماهم سعد الحضنة (11). وكان الهجري في المدينة المنورة في مطلع القرن الرابع الهجري تقريبًا.
¥