وبهذا نعلم أنهم نزحوا منذ وقت مبكر لعله قبل سنة 130هـ أي قبل وفاة شاعرهم أبي وجزة السعدي الذي أشار إلى رحيلهم في إحدى قصائده المشهورة، وهو قوله (12):
عفت مرُّ من أحياء سعدٍ فأصبحت بسابس لا نارٌ ولا نبحُ نـ
أمّا تعليله حول توزيع قبائل حلفي شبابة وخندف وأنه لو كانت عتيبة كنانية لما ميزت هذيل هذا الحلف باسم خندف؟! ... إلخ، وعلى ذلك أقول:
- لماذا رأى أن من ميّز هذا الحلف هم هذيل؟ وعلى ماذا استند!؟ ولا أراه كذلك؛ فغامد وزهران إخوة وهما من الأزد، والأولى من خندف والثانية من شبابة وهو ما يخالف وجهة نظره، ومن وجهة نظر أخرى فلو كانت عتيبة من سعد هوازن كما يراه فثقيف وسعد أبناء بكر بن هوازن، وثقيف من خندف، وسعد إذا عددناها سعد هوازن فتكون من شبابة؟!
- وأعتقد أن حلفي خندف وشبابة تم في عهد المماليك، وأنه عقد بأمر من حاكم أو سلطان صاحب نفوذ؛ لأن تصنيف القبائل فيه أو توزيعها، أعني الحلفين، قائم على التضاد فقبائل الأزد انقسمت في الحلفين (فغامد من خندف، وزهران من شبابة)، وقبائل قيس (ثقيف من خندف، وعدوان من شبابة) ... إلخ.
- أما وصفه بأن حروب كنانة مع هذيل في الجاهلية كانت في أغلبها غارات صعاليك ولم تصل إلى حد قيام حلفين مضادين.
فأقول: هذا الكلام غير دقيق، ومن المعلوم أن هناك مؤلفات مفقودة كثيرة وفيها ما يتكلم عن بعض القبائل ومنها كنانة؛ فإطلاق القول على عواهنه أمر لا يصح البتة وهو مردود على صاحبه.
7 - ذكر الباحث قوله:" قاعدة النسب الأولى:" الناس مأمونون على أنسابهم" وعوارف عتيبة وقدماؤها نصُّوا على النسب إلى سعد هوازن، ولو قلنا إن الأمر اختلط عليهم لشهرة حليمة السعدية فكيف نرد ما ورد في وثيقة لعلوان الجار الله السعدي من شيوخ بني سعد بن بكر بن هوازن في العراق قبل حوالي مائة عام سمَّى فيها فروعًا من بني سعد ورد فيها:
"في نجد رئيسهم عقاب بن غصن.
في الحجاز قرب الطائف في قرية لغب رئيسهم ساعد المطر.
بنو سعد الساكنين في الحجاز في قرية دار الحمراء رئيسهم قليل بن عايد. بنو سعد في الحجاز في قرية كلاخ رئيسهم قنيبس بن غالي". ثم أضاف أيضًا: "وهؤلاء من عتيبة معروفون، وقوم علوان في العراق لديهم شجرة نسب موثّقة صحيحة العدد إلى سعد بن بكر بن هوازن".
قلت: قاعدة " الناس مؤتمنون على أنسابهم " أو أجدادهم القريبي العهد أي الجد الرابع أو الخامس أو السادس، أي خلال قرنين من الزمان تقريبًا، ولكنهم ليسوا في نظري مؤتمنين على أجداد عاشوا في قرون بعيدة وموغلة في القدم. فكيف لرجل أو قوم أن ينتسبوا إلى جد عاش مثلاً في القرن السابع أو الثامن الهجريين أو ما قبله وهم لا يعرفون اسم أبيهم أو جدهم الذي عاش قبل قرنين من الزمان، وهذا أمر وارد عند الكثيرين، لندرة التدوين عند كثير من أبناء القبائل والأسر.
أمّا الجدود القديمة وتسلسل أنسابها فلا بد من مصدر موثق يوضح ذلك، ومن ذلك على سبيل المثال:
أنّ أبناء النفعة من عتيبة، بل ونسابة عتيبة في الحجاز كابن دخين وغيره يعرفون أن جد النفعة هو نفيع بن رايق بن فلاح بن ناصر بن سعد فقط؟! ويظنون من خلال قراءة بعضهم للكتب أنه سعد بن بكر بن هوازن؟! بينما هم أبناء صرار ومجنون بن صالح بن نافع بن نفيع بن رايق بن فلاح بن شملان (شملى) ... من سعد بن حجاج بن أكوع بن عتيب (جد قبيلة عتيبة)، من شباب جد العتبان الشبابيين.
وبهذا يتضح أن المصدر الموثق أولى وأرجح، وأن القاعدة تنتفي بوجود الوثائق والصكوك القديمة التي تلغي مثل هذه الروايات التي لا أصل لها سوى الاستفاضة الخاطئة عن طريق شيوع المصادر الحديثة التي استند عليها البعض، وهي غير صحيحة بل تبنى على ربط أسماء القبائل الموجودة حاليًّا بناءً على تشابه الأسماء مع القبائل القديمة بدون تحقيق أو تثبت، وفي هذا الصدد يقول الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله-: "والاتفاق في الأسماء مدعاة لوقوع الخلط في الأنساب كما أوضح ذلك الهمداني في كتابه صفة جزيرة العرب، مشيرًا إلى أن القبيلة عندما يوافق اسمها اسم قبيلة أخرى تنتسب إليها خطأ" (13).
¥