تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لا يرد فى هاتين المخطوطتين من أسماء الأعلام إلا اسم محمد بن على المؤذن (فى المخطوطة رقم 5390)، ويذكر المؤلف الفقيه أن الشخص المذكور من بين الذين نسخوا رسالة الشيخ أحمد. مؤلف الرسالة إذن شخص مجهول.

كنت على وشك إنهاء الحديث عن هذه الرسالة التى بلغت حظا كبيرا من الانتشار فى عالمنا الإسلامى، لكننى بعد أن انتهيت من إلقاء محاضرتى حول هذا الموضوع خلال المؤتمر العاشر للدراسات الموريسكية فى تونس، ذكر لى الدكتور رونالد شورتز الأستاذ بجامعة برنستون بالولايات المتحدة أن هذه الوصية قريبة من وصية أخرى كان يجرى تداولها بين المسيحيين الأوربيين خلال العصور الوسطى، وبعد انتهاء أعمال المؤتمر أرسل إلىّ الدكتور شورتز بالفعل نص الوصية المسيحية. كان من الطبيعى أن أدرس الوصية المسيحية بعناية شديدة، وأن أقوم بعقد مقارنة بين الوصيتين، وقد وجدت ما يلى:

- يدّعى من أرسل الوصية أنها مرسلة من الله، وأنها وجدت فى قرية قريبة من مدينة أبيلا بإسبانيا.

- لغة المخطوطة المسيحية تعود إلى فترة تسبق بالتأكيد القرن السادس عشر (تاريخ ظهور رسالة الشيخ أحمد)

- مضمون الوصية المسيحية يقترب إلى حد كبير من مضمون رسالة الشيخ أحمد: لابد من نقل الوصية من بلد إلى بلد، الخير العميم ينتظر من ينقلها إلى آخرين، والعقاب الشديد سيكون من نصيب من يتجاهلها. (6)

إذا وضعنا فى الاعتبار هذه المعلومات فقد نصل إلى استنتاج حدوث تأثير مسيحى فى إسلام الموريسكيين. وتجدر الإشارة إلى أننا تحدثنا فى مناسبة سابقة (7) عن تأثر مسلمى الأندلس فى عصرهم المتأخر بالمسيحية. على أن الموريسكى الذى تأثر لم يكن مجرد ناقل، فقد اقتبس الوسيلة لكنه وظّفها لخدمة الهدف الذى يسعى إليه وهو دعوة الناس إلى المحافظة على الدين الإسلامى.

خاتمة:

رسالة الشيخ أحمد التى يتلقاها البعض منا بين الحين والآخر ليست وليدة هذا العصر، وإنما ترجع أصولها إلى القرن السادس عشر، وقد ظهرت لأول مرة فى إحدى قرى مملكة فالنسيا كان يعيش فيها موريسكيون. تأكد لنا ذلك بعد أن عثرنا فى مكتبة إسبانيا الوطنية على مخطوطتين إحداهما تتضمن نصر الرسالة المتداولة، والأخرى تحدد تاريخ وصولها والمكان الذى وصلت إليه لأول مرة.

من المهم أن نشير إلى أن فكرة نسبة وصية ما إلى مصدر إلهى أو نبوى ليست من بنات أفكار الموريسكيين، فقد سبقهم إلى ذلك مسيحيو إسبانيا حين كان الإسلام ينتشر ورأوا أن المسيحية فى طريقها إلى الزوال. أخذ الموريسكيون النهج ذاته عندما كانوا يمرون بظروف مشابهة وكانوا يخشون زوال الإسلام فى إسبانيا، فنسبوا إلى النبى صلى الله عليه وسلم وصية مزعومة.

رسالة الشيخ أحمد إذن من عمل الموريسكيين وتندرج فى إطار الكتابات الدينية التى تبعد عن الإسلام الصحيح، وإن كان الموريسكى الذى وضعها قد كتبها بدافع من الرغبة فى إنقاذ ما تبقى من آثار باهتة للإسلام فى إسبانيا الكاثوليكية.

أما كيف انتقلت هذه الرسالة الوصية إلى عالمنا الإسلامى فنظن أن الرسالة –وقد بلغت شأنا عظيما فى حينها- قد حملها أحد الموريسكيين معه إلى منفاه فى شمال إفريقيا حرصا منه على تنفيذ ما جاء فيها وأرسلها إلى آخرين. وهكذا ظلت منذ ذلك الحين تنتقل "من بلد إلى بلد، ومن دار إلى دار"، تماما كما أراد مؤلفها. إنها بالفعل رسالة موريسكية إلى العالم.

الهوامش

1 - سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز:"التحذير من البدع" الرئاسة العامة لإدارات البحوث والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض، 1412 هـ

2 - انظر جمال عبد الرحمن "الإسلام فى الأندلس بعد سقوط غرناطة من خلال وثائق لم تنشر بعد" كتاب تكريم الدكتور لوى دى كارداياك، مؤسسة التميمى للبحث العلمى والمعلومات، 1995، ص. 133 - 146

3 - Guillén Robles: Catalogo de los manuscritos árabes existentes en la Biblioteca Nacional de Madrid, Madrid, 1889.

4- بدرو لونغاس:"الحياة الدينية للموريسكيين الأندلسيين" ترجمة جمال عبد الرحمن، مؤسسة التميمى للبحث العلمى والمعلومات، زغوان، تونس، 193، ص. 49

5 - مرثيديس غارثيا أرينال:"الموريسكيون الأندلسيون" ترجمة وتقديم جمال عبد الرحمن، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة،2001

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير