تقييم الموقف في سنة 619هـ:
في هذه السنة استمرت العمليات التترية في منطقة أرض الروس، وأكد التتار سيطرتهم على المناطق الإسلامية الشاسعة ما بين الصين والعراق، فثبتوا أقدامهم في كل بقاع الدولة الخوارزمية, وهذا يشمل الآن أسماء الدول الآتية من الشرق إلى الغرب:
ـ كازاخستان.
ـ قيرغيزستان.
ـ طاجيكستان.
ـ أوزبكستان.
ـ تركمانستان.
ـ باكستان. (باستثناء المناطق الجنوبية فيها، والمعروفة بإقليم كرمان) ..
ـ أفغانستان.
ـ معظم إيران. (باستثناء الحدود الغربية لها مع العراق والتي يسكنها الإسماعيلية.
ـ أذربيجان.
ـ أرمينيا.
ـ جورجيا.
ـ الجنوب الغربي لروسيا.
ظهور جلال الدين بن محمد خوارزم:
لقد ظهر جلال الدين بن محمد خوارزم على مسرح الأحداث بين سنتي 621هـ و622هـ فجأة وكان قد فَرَّ قبل ذلك إلى الهند منذ خمس سنوات (617هـ) ذلك أنه لم يستطع إكمال حياته في الهند، فقد كانت العلاقات أصلاً سيئة مع ملوك لهند، ثم إنه وجد أن التتار قد تركوا منطقة فارس نسبيًا، وأن جنكيز خان قد عاد إلى بلاده لمعالجة بعض الأمور هناك، وترك زعيمًا غيره على جيوش التتار، وأن أخاه غياث الدين قد سيطر على معظم أجزاء فارس ..
وجد جلال الدين أن الظروف الآن مواتية للعودة إلى مملكة خوارزم للبحث عن الملك الضائع، ولكنه للأسف لم يدقق النظر، ولم يُشخِّص المرض الذي أصاب الأمة الإسلامية في ذلك الوقت .. ولم يدرك أن الفُرقة والتشتت والاستهانة بدماء المخالفين من المسلمين كانت من الأسباب الرئيسية لهذه الحالة المخزية التي وصلت إليها أمة الإسلام ..
لم يدرك جلال الدين هذه الأمور، ومن ثم فإنه بدلاً من أن يبذل مجهودًا لتجميع الأطراف المتناحرة والأقاليم المتصارعة، دخل إلى مملكة خوارزم وهو يجهز نفسه ليكون طرفًا جديدًا في الصراع الإسلامي ـ الإسلامي!!
وبدأ جلال الدين في غزو إقليم فارس من جنوبه إلى الشمال محاربًا أخاه غياث الدين، حتى وصل إلى غرب إيران، وأصبح قريبًا من الخلافة العباسية، وكانت العلاقات القديمة بين مملكة خوارزم والخلافة العباسية متوترة جدًا، ووجد جلال الدين في نفسه قوة، ووجد في الخلافة العباسية ضعفًا فأعلن الحرب على الخلافة العباسية .. (هذا وجيوش التتار قابعة في شرق إيران) ولا عجب فقد كان جُلُّ الزعماء في تلك الآونة مصابين بالحَوَل السياسي، ودخل جلال الدين بجيشه إلى البصرة، وحاصرها لمدة شهرين، ثم تركها واتجه شمالاً ليمر قريبًا من بغداد عاصمة الخلافة العباسية، وخاف الناصر لدين الله الخليفة العباسي على نفسه فحَصَّن المدينة وجهز الجيوش لدفع جلال الدين، ولكن لم يكتف بذلك بل ارتكب فغلاً شنيعًا مقززًا، إذ أنه أرسل إلى التتار يستعين بهم على حرب جلال الدين ..
لقد كان الخليفة العباسي الناصر لدين الله كالمستجير من الرمضاء بالنار ..
ومع استعانة الخليفة بالتتار إلا أن التتار كانوا مشغولين ببسط سيطرتهم على المناطق الشاسعة التي احتلوها، فلم يحدث بينهم وبين جلال الدين قتال إلا في أواخر سنة 622هـ، واستثمر جلال الدين هذه الفترة في بسط سيطرته على المناطق المحيطة ببغداد، ثم شمال العراق ثم منطقة شمال فارس، وبدأ يدخل في أذربيجان وما حولها من أقاليم إسلامية ..
وكانت حروبه حروبًا شرسة مُفسدة، مع أن البلاد المغنومة كلها بلاد إسلامية .. فكان يفعل بهم الأفاعيل من قتل وسبي ونهب وتخريب .. وكأنه تعلم من حروبه مع التتار كيف يقسو قلبه بدلاً من أن يتعلم كيف يرحم الذين عُذِّبوا منذ شهور وسنوات على أيدي التتار ..
وبذلك بلغ سلطان جلال الدين من جنوب فارس إلى الشمال الغربي لبحر قزوين، وهي وإن كانت منطقة كبيرة إلا أنها مليئة بالقلاقل والاضطرابات، بالإضافة إلى العداءات التي أورثها جلال الدين قلوب كل الأمراء في الأقاليم المحيطة بسلطانه بمن فيهم الخليفة العباسي الناصر لدين الله، وسياسة العداوات والمكائد والاضطرابات هي السياسة التي ورثها جلال الدين عن أبيه محمد بن خوارزم، ولم تأتِ إلا بالويلات على الأمة ..
¥