أما لماذا يعتقد الصليبيون أن حرب المسلمين دائمة, وحرب التتار مؤقتة؟ فإن ذلك يرجع إلى أن حروب الصليبيين مع المسلمين هي حروب عقيدة، والعَدَاء بين المسلمين والصليبيين يقوم على أساس ديني، والصراع بينهما أبديٌّ، والنصارى لن يُنهوا القتال إلا بدخول إحدى الطائفتين في دين الأخرى، كما يقول الله عز وجل في كتابه: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم" (البقرة: 120) ..
سابعًا: أخذت عقائد الجيش التتري في التغيير بعد الحملات التي وجهوها إلى أوروبا، فقد تزوج عدد كبير من قادة المغول من فتيات نصرانيات، وبذلك بدأت الديانة النصرانية تتغلغل نسبيًا في البلاط المغولي، وهذا ساعد أكثر على إمكانية التعاون بين التتار والصليبيين ..
ثامنًا: استمرت الحروب الصليبية الأوروبية على المسلمين في مصر والشام، وكانت مصر والشام في ذلك الوقت تحت حكم الأيوبيين، ولكن كانت هذه هي آخر أيام الأيوبيين، وقد دار الصراع بينهم وبين بعضهم، وأصبح المسلمون بين شِقَّي الرَّحَى: بين التتار من ناحية، والصليبيين من ناحية أخرى ..
تاسعًا: في سنة 640هـ توفي المستنصر بالله الخليفة العباسي، وتولى الخلافة ابنه المستعصم بالله، وكان يبلغ من العمر آنذاك ثلاثين عامًا، وهو وإن كان قد اشتُهِر بكثرة تلاوة القرآن، وبالنظر في التفسير والفقه، وكثرة أعمال الخير، إلا أنه لم يكن يفقه كثيرًا، ولا قليلاً في السياسة!! ولم يكن له علم بالرجال، فاتخذ بطانة فاسدة، وازداد ضعف الخلافة عما كانت عليه، فهو آخر الخلفاء العباسيين, وهو الذي ستسقط بغداد في عهده بعد ذلك ..
عاشرًا: لم يبقَ فاصل بين التتار والخلافة العباسية في العراق إلا شريط ضيق في غرب إقليم فارس (غرب إيران الآن) .. وهو على قدر من الأهمية وإن كان ضيقًا إذ كانت تعيش فيه طائفة الإسماعيلية الخطرة، وكانوا أهل حرب وقتال، ولهم قلاع وحصون، فضلاً عن طبيعة المكان الجبلية، وكانوا على خلاف دائم مع الخلافة العباسية، وكراهية شديدة للمذهب السني، وكانوا يتعاونون مع أعداء الإسلام كثيرًا، فَمَرَّةً يراسلون التتار، ومرة يراسلون الصليبيين، وكان التتار يدركون وجودهم، ومع ذلك فهم لا يطمئنون لهم، فالتتار ما كانوا يرغبون في بقاء قوة ذات قيمة في أي مكان على ظهر الأرض ..
بين 639 هـ و 649 هـ:
بعد تولية "كيوك بن أوجتاي" خاقان التتار الجديد قرر أن يوقف الحملات التوسعية، ويتفرغ لتثبيت الأقدام في أجزاء مملكته المختلفة، وقد ظل "كيوك" يحكم من سنة 639هـ إلى سنة 646هـ، وفي هذه السنوات السبع لم يدخل التتار بلادًا جديدة إلا فيما ندر، وكانت فترة هدوء نسبي في المناطق المجاورة لمملكة التتار، وإن كانت المناطق المنكوبة بالتتار ما زالت تعاني من ظلم وبشاعة الاحتلال التتري ..
وبعد وفاة خاقان التتار "كيوك" تولَّت أرملته حكم التتار، وذلك ابتداءً من سنة646هـ ولمدة ثلاث سنوات ..
ولم يستطع التتار قبول أرملة "كيوك" ملكة عليهم، ومن ثم اجتمع المجلس الوطني للتتار والمسمى "بالقوريلتاي" وذلك في سنة 649هـ، وقرروا اختيار خاقان جديد للتتار، وكان اختيار منكوخان زعيمًا لمملكة التتار بداية تحول كبير في سياسة التتار، وبداية تغيير جذري في المناطق المحيطة بالتتار، فقد كانت لديه سياسة توسعية شبيهة بسياسة جنكيزخان المؤسس الأول لدولة التتار، وشبيهة أيضًا بسياسة أوجتاي الذي فُتِحَت أوروبا في عهده، ومن ثَمَّ بدأ "منكو خان" يفكر من جديد في إسقاط الخلافة العباسية، وما بعدها من بلاد المسلمين ..
الفرقة والتشتت والتشرذم بين ممالك المسلمين:
يقول المولى تبارك وتعالى في كتابه الكريم: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين" {الأنفال: 46} ..
لقد جعل الله عزوجل الفشل قرينًا للتنازع .. والمسلمون كانوا في تنازع مستمر، وخلاف دائم، وعندما كانت تحدث بعض فترات الهدنة في الحروب مع التتار، كان المسلمون يُغيرون على بعضهم، ويأسرون بعضهم، ويقتلون بعضهم .. !! وقد عُلِمَ يقينًا أن من كانت هذه صفتهم، فلا يكتب لهم النصر أبدًا ..
¥