كانت الحكومة العثمانية عارفة بأوضاع الثورة الأندلسية معرفة جيدة, و على صلة وثيقة و متواصلة مع زعمائها. لكنها كانت مجزأة بين فكرتين: مساعدة الثورة الأندلسية حتى تنتصر, أم فتح فاعدة البندفيين, جزيرة قبرص , التي كانت تسبب متاعب جمة للدولة. كان الصدر الأعظم, محمد الصقلي, من أنصار الهجوم على إسبانيا و تحرير الأندلس, و اقترح على السلطان سليم الثاني تأجيل فتح فبرص. بينما كانت بطانة السلطان تؤيد استخلاص قبرص أولا من البندفية, إذ بدا لها فتح قبرص أسهل من تحرير الأندلس. و كان سليم الثاني يأمل في التحالف ضد الإسبان مع ملك فرنسا, شارل التاسع. و حيث ظهر تردد ملك فرنسا في قبول هذا التحالف تحت ضغط الكنيسة, فقد رجح السلطان راي الذين فضلوا البداية بفتح قبرص. و فعلا فتحت الدولة العثمانية قبرص في غشت عام 1571م بعد أن انهزمت الثورة الأندلسية و انقضى امرها.
كان سلطان المغرب أبو عبد محمد عبد الله الغالب السعدي متهما من طرف الأندلسييين بالتواطؤ مع الإسبان مخافة توسع الدولة العثمانية. فربما لم يكن يرى بعين الرضى قيام دولة أندلسية شمال المغرب تحت النفود العثماني. و فد سبق له سنة 970ه (1563) أن أدخل بالقوة 14.000 مهاجر أندلسي في الجيش و أسكنهم حي رياض الزيتون بمراكش. فأصبح بذلك الغالب بالله مكروها لدى جميع الأندلسيين, إذ اعتبروا تجنيدهم بالقوة استرقاقا لهم. و لما قامت الثورة الأندلسية, أرسل قائدها, ابن أمية, سفارة برئاسة فراندو الحبقي إلى السلطان السعدي.
و أشار إلى هذه السفارة المؤرخ الجنابي قائلا: " وأرسل هؤلاء (يعني المجاهدين الأندلسيين) إلى الشريف مولاي عبد الله يستمدونه فلم يمدهم بسبب قلة الأغربة و المراكب عنده و لعلة أخرى".
و كان صاحب "تاريخ الدولة السعدية" , الكاتب الاندلسي المجهول, أكثر وضوحا إذ قال عن المجاهدين الأندلسيين: " فصاروا يكتبون إلى ملوك المسلمين شرقا و غربا و هم يناشدونهم الله في الإغاثة, و أكثركتبهم إلى مولاي عبد الله لأنه هو القريب إلى أرضهم, و كان قد قوي سلطانه و صحت أركانه و جندت أجناده و كثرت أعداده. فأمرهم غشا منه بأن يقوموا على النصارى ليثق بهم في قولهم بظهور فعلهم. فلما قاموا على النصارى تراخى عمّا وعدهم به من الإغاثة, كذب عليهم غشا منه لهم و لدين الله عز و جل, من أجل مصلحة ملكه الزائل ... و كانت بينه و بين النصارى مكاتبات في ذلك و مراسلات و أنه استشار معهم, و أشار عليهم أن يخرجوا أهل الأندلس إلى ناحية المغرب. و قصده بذلك تعمير سواحله, و يكون له منهم بمدينتي فاس و مراكش جيش عظيم ينتفع به في مصالح ملكه.
فلما قاموا على النصارى عن إذنه و انشغلوا معهم بالقتال, أرسلوا رِستءهم و كبراءهم و ذوي شأنهم إلى العدوة ليستغيثوا بالسلطان و بجماعة المسلمين في الإعانة, و تركوا أهل الأندلس كلهم متمنعين في جبال غرناطة و هن يقاتلون النصارى. فلما وصلوا إليه تراخى عنهم و طول عليهم مقامهم. لإاتتهم المكاتبة من أهلهم بأنهم اطلعوا على مكاتبات بين السلطان و بين النصارى و مصادقة تدبير على المسلمين. فصح عنهم ذلم, و ظهر بالإمارات الدالة عليه من كثرة قعودهم و مرور الأيام عليهم بلا فائدة, فأمرهم أن يصطلحوا مع النصارى على أن يتركوهم يجوزوا لهذه العدوة."
هذا هو وضع المساندة التي كان يتوقفها الأندلسيون من إخوانهم, و بسببه غامروا بحياتهم ووجودهم. و في أبريل سنة 1570م, أصبح هذا الوضع واضحا لقواد المجاهدين. فأخذت العزائم تخور, و الأمل بالنصر يضعف, و الشعور بخذلان العالم الإسلامي ينتشر.
ـ[هشام زليم]ــــــــ[14 - 05 - 08, 03:37 ص]ـ
3 - 5 - الإنهزام و الإستسلام
افتراق كلمة المجاهدين أمام بطش الصليبيين و قلة الدعم الإسلامي
¥