وكان محبا للمطالعة و تثقيف نفسه، فكان كثيرا ما يعتكف على القراءة وحده من مكتبة العائلة الزاخرة بأمهات الكتب و المخطوطات التي جمعها شيوخ العائلة خلال عقود من الزمن [بالمناسبة لقد تعرضت هذه المكتبة إلى النهب و السلب بعد دخول الإستدمار الفرنسي الى قسنطينة و عندي نسخة من القائمة الكاملة لعناوين و نسخ المخطوطات التي كانت بها كتبها مستشرق فرنسي قبل سرقتها]، ساعيا لتوسيع دائرة معارفه يساعده على ذلك ذهن وقاد و ذكاء حاد، و طموح عريض، و أنفة و اعتزاز بالنفس يقول عن نفسه: " كنت ذا نفس أبية، و مع صغر سني لا أرضى أن أكون خلي المعرفة مما عرفه غيري".
الوظائف و المهام التي تولاها:
تولى التدريس بالجامع الكبير بقسنطينة في حياة والده الذي كان ينيبه عنه أثناء غيابه رغم صغر سنه نسبيا، و قد ظهرت عليه مخايل النبوغ و الذكاء في سن مبكرة فكان بارعا في " فنون العربية لغة و نحوا و تصريفا و بلاغة مع المشاركة التامة في الفقه و الاصلين الحديث و التصوف و غير ذلك "، كما دَرَّسَ في زاوية العائلة و في مصلى بيته، و في المدرسة التابعة لعائلة الفكون فكان يستقبل الطلبة من قسنطينة و من غيرها من نواحي القطر خصوصا من منطقة زواوة و من منطقة الجزائر و ما حولها، و من منطقة الزيبان و عنابة، وكان يُدَّرِسُ التفسير و صحيح البخاري و الفقه من ابن حاجب و الرسالة و النحو.
و بعد وفاة ابيه عام 1045 هـ خلفه في امامة المصلين و الخطبة ايام الجمع و الأعياد، و السهر على أوقاف الجامع الكبير، كما تقلد إمارة ركب الحج و حصل على لقب شيخ الاسلام بعد ان بلغ نفوذه العلمي و الروحي ذروته، و قد بقيت إمارة الحج في أيدي عائلة الفكون لقرون عديدة و كان آخر من تولاها محمد بن عبد الكريم بن بدر الدين الذي أدركه الاحتلال الفرنسي و هو يناهز الثمانين من عمره و الذي توفي عام 1256 هـ.
يقول المؤرخ البحاثة الجزائري المهدي البوعبدلي عن إمارة الحج:
" ... كانت خطة إمارة ركب الحج لا تسند إلا لأمثل عالم، تراعى فيه عدة مقاييس، أهمها التبحر في العلم والاستقامة، إذ هو الممثل لبلاده ولنخبة علمائها، حيث يجتمع بجل علماء الأقطار الإسلامية، ويتبادل معهم الإجازات والتآليف، ويشارك في المناظرات العلمية التي كانت تعقد لحل المشاكل العويصة. فكانت مهمة أمير الركب في رحلاته الإفادة والاستفادة"
وكل من بلغ مبلغ الفكون من الجاه و العلم و الوظيفة يقصده الناس بالمراسلات و العلاقات مثل مراسلاته مع سعيد قدورة مفتى الجزائر في وقته، و مع بلغيث القشاش و تاج العارفين العثماني، و إبراهيم الغرياني و المقري صاحب " نفح الطيب "، والعالم المصري الشيخ عبد الرحمن الأجهوري، والسوسي المغربي من المغرب الشقيق و غيرهم.
تلامذه:
تخرج على يدي الفكون مجموعة كبيرة من الطلاب النجباء الذين ذاع صيتهم، و من اشهرهم: ابو مهدي عيسى الثعالبي و قد برجم له و سجل ما قرأه على يديه من كتب و ما أجازه به في ثبته المسمى ب " كنز الرواة "، و ابو سالم العياشي المغربي، و يحي الشاوي، و بركات بن باديس و احمد بن سيدي عمار، و محمد وارث الهاروني، و محمد البهلولي، و احمد بن ثلجون و علي بن عثمان بن الشريف و غيرهم.
ثناء العلماء و معاصريه عليه:
كان الفكون من أعلام عصره في الحديث و الفقه و النحو بارعا فيه، اديبا شاعرا، جمع بين علم الظاهر و الباطن، و قد تحدث عنه علماء عصره و تلامذته و نوهوا بمكانته المتميزة في العلم، فقال عنه المقري: " عالم قسنطينة و صالحها و كبيرها و مفتيها سلالة العلماء الأكابر ووارث المجد كابرا عن كابر، المؤلف سيدي الشيخ عبد الكريم الفكون حفظه الله .... عالم المغرب الأوسط غير مدافع، و له سلف علماء ذوو شهرة، و لهم في الأدب الباع المديد "
و حلاه تلميذه أبو مهدي عيسى الثعالبي في "كنز الرواة " بقوله: " علامة الزمان و رئيس علوم اللسان و فخر المنابر إذا خطب، و لسان المحابر إذا شعر أو كتب "، أما أبو سالم العياشي فقد قال عنه: " العلامة الفهامة الناسك الجامع بين علمي الظاهر و الباطن سيدي عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الفكون القسنطيني "
وفاته:
¥