تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن أبرز تلك المظاهر استمرار سيطرتهم على الحجاز وخاصة المدينتين المقدستين، مكة والمدينة، حتى تتم المظاهر الشكلية للخلافة العثمانية، وحتى لا يقع الشك في مقدرتهم على حماية الحرمين الشريفين، فتزول هيبتهم، ويضعف أمرهم. فطالما والحرمان الشريفان تحت نفوذهم فسيظل بإمكانهم حمل ألقاب الخلافة والتشدق باسمها، ورفع الصوت باسم الإسلام والمسلمين، وحتى ولو كانوا قد فقدوا الأهلية والكفاءة لذلك من الناحية العملية – والأمر كان كذلك في الواقع-.

"فالحجاز يمثل السيادة الروحية على العالم الإسلامي كله؛ نظرًا لوجود الحرمين الشريفين فيه، وفقده يعني زوال تلك السلطة الروحية والسيادة والزعامة الدينية التي يتمتع بها الخلفاء العثمانيون. " (7)

وبعد أن سيطر أنصار الدعوة السلفية على الحرمين الشريفين، وأجروا فيهما بعض الإصلاحات الضرورية بموافقة علماء مكة والمدينة، وبعد أن باءت بالفشل كل المحاولات الداخلية لضربها، وأمام هذا التمدد الكبير للدعوة السلفية الإصلاحية، كثر الوافدون على الآستانة من المتملقين والحاقدين على تلك الدعوة، وأزداد عدد المحرضين عليها في بلاط السلطان العثماني، والمتظاهرين زورا وبهتانا بالغيرة على الإسلام، وعلى وحدة المسلمين، وعلى دولة الخلافة الإسلامية، من خطرها.

كما أخذ القناصل الأجانب بدورهم وعلى رأسهم القناصل الانجليز، يضغطون على السلطان محمود الثاني (1808 - 1839)، للتحرك ضد الدعوة السلفية التي كان أتباعها يستعدون لبسط سيادتهم على مياه البحر الأحمر، ومياه الخليج، ومن ثم مهاجمة الأساطيل الانجليزية التي كانت قد بدأت تتسلل إليهما.

وأمام هذه الضغوط، وجد السلطان العثماني محمود الثاني نفسه، يتساءل عن كيفية مواجهة هذه الحركة التي نبزوها بـ" الوهابية ".

وراق الدولة العثمانية هذا النَّبْزُ، فأجرته على ألسنة الدراويش وتنابلة السلطان، وأفرطت في إلقاء الشبهات عليه وتشويهه، ثم شرعت بعد ذلك تخطط وتعد العدة، لضرب الحركة والقضاء عليها، ليس غيرةً على الدين، ولا انتصارا للمسلمين، ولا لأي مبرر وجيهٍ آخر، وإنما لفرط أنانيتها، ودفاعا عن مصالحها وهيبتها، ولأسباب سياسية ضيقة، وفي مقدمة كل ذلك استعادة الحرمين الشريفين في مكة والمدينة، والاستئثار بالنفوذ فيهما، كي يوهموا الناس أن الخلافة العثمانية لا تزال باقية، وأنها هي الناطق الرسمي باسم المسلمين، وأنها لا تزال حاملة راية الجهاد، ولو كان ذلك من الناحية الشكلية فقط، ولو كان في ذلك تقديما لمصلحتها الخاصة، على مصلحة الإسلام، ولو كان ذلك يجعلها فقط (كالقط يحكي انتفاخا صورة الأسد)، ولو كان ذلك يمثل حجرا على إرادة المسلمين وإجبارا لهم على أن يظلوا في قوقعتهم، في حالة غيبوبة وتجمد، فلا يستيقظون من سباتهم، فيرون التغيير الذي يجري من حولهم، والتحديات التي تواجههم، ويكتشفوا حقيقة ما آلت إليه خلافتهم من ضعف وركود واستخذاء، فينهضوا لإصلاح شئونهم، ويسعون لإيجاد البديل، اعتمادا على إمكاناتهم وقواهم الذاتية، قبل فوات الأوان.

هذا هو السر وراء إصرار الدولة العثمانية على ضرب الدعوة السلفية. وكان موقف الدولة العثمانية يجسد شعار " إما أنا أو الطوفان" وهذا كان منتهى الأنانية. والذي كان فيما بعد هو الطوفان. لأن محاولات ترقيع دولة الخلافة العثمانية باءت كلها بالفشل. لأنه ببساطة كان ترقيع للمرقع.

ولو أنه كانت هناك إمكانية لمنع سقوط دولة الخلافة العثمانية، لتم ذلك على يد السلطان عبد الحميد الثاني (1842 - 1918) فإنه حاول منذ أن تبوأ العرش عام 1876، بكل طاقته وبكل جد وإخلاص، أن يوقف انهيار الدولة، ولكن من دون جدوى. لأن المرض كان قد وصل إلى مخ العظام. وكانت النتيجة هي خلعه وإبعاده عن العرش بتهمة الرجعية سنة 1909م.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير