وتزوج وهو في مصر من بنت الصولي من أعيان السوريين ورزق منها ولدين سليم (1826 - 1906) وفايز (1828 - 1856).
في مالطة – وفي سنة 1834 طلبه المرسلون الأميركان في مالطة فغادر مصر إليها وأقام فيها 14 سنة يعلم في مدرستهم ويصحح ما كان يطبع في مطبعتها من الكتب العربية. وانصرف إلى التأليف و التصنيف حتى لا يكاد يخلو كتاب مطبوع هناك وقتئذ من أثار قلمه ونفثات صدره. واعتنق وهو في مالطة هناك المذهب الإنجيلي مسوقاً بعاطفة الانتقام لأخيه أسعد من بطريرك الموارنة.
في أوربا – وفي سنة 1848 سافر إلى لندره بإيعاز وزير خارجية إنجليز إجابة لدعوة جمعية ترجمة الأسفار المقدسة فأعانها في ترجمة هذه الأسفار إلى العربي تحت إشراف الدكتور ((لي)) وأعجب الدكتور بعلمه وغزارة مادته وشدة تدقيقه. وبعد الفراغ من عمله أمّ باريس وهناك تمكن من اللغتين الفرنسوية و الإنجليزية وعكف على التأليف وقضى زهاء عشرة أعوام جائلاً في أنحاء أوربا ودوّن سياحته هذه في كتابه: كشف المخبا عن فنون أوربا وصف فيه الممالك الأوربية وصفاً بديعاً يستهوي القلوب. أما باريس فأوجز الكلام في وصفها اكتفاء بما كان قد كتبه عنها رفاعة بك العلامة المصري الشهير. وأنشأ في ذلك الحين كتابه: الساق على الساق فيما هو الفارياق.
وفي أثناء وجوده في أوربا تزوج بسيدة إنجليزية لم يرزق منها بأولاد وأنعمت عليه الحكومة الإنجليزية بحمايتها وهي لم تكن سهلة المنال وكانت مقيدة بشروط يتعذر توافرها في رجل ما لم يكن نظير فارس الشدياق من أهل الموهبة الخارقة. ونظم وهو في باريس قصيدة عصماء في مدح السلطان عبد المجيد على أثر حربه مع روسيا وقد استهلها بقوله:
الحق يعلو و الصلاح يعمرُ و الزور يمحق و الفساد يدمر
ومنها:
طغت الطغاة الروس لما غرهم في الأرض كثر سوادهم وتجبروا
وختمها بهذين البيتين:
أنشدت تاريخين هجريين في ختمي مديحك وهو حظي الأوفر
عبد المجيد الله أركى ضده سلطاننا خير بجدّ ينصر
فوقعت هذه القصيدة في نفس السلطان أحسن وقع وبعث يستقدم ناظمها إلى الآستانة لمكافأته، وهمّ هذا بالرحيل غير أنه اتفق أن أحمد باشا باي تونس زار عاصمة فرنسا وفارس الشدياق هناك فتعرف إليه ونظم قصيدة في مدحه لما رأى من وجوده وسخائه على الفقراء و المعوزين ومطلع القصيدة:
زارت سعادُ فقلبي اليوم متبولُ فما الرقيب بغير النشر مدلول
فأحبه الباي وقربه إليه وأعجب بعلمه وفصاحته. وبعد أن عاد إلى بلاده بعث يستقدمه إليه على مركب حربي مبالغة في أكرامه فأكبر فارس هذا الإكرام وقال: ((لعمري ما كنت أحسب أن الدهر ترك للشعر سوقاً ينفق فيه ولكن أراد الله بعبدٍ خيراً، لم يعقهُ عنه الشعر ولا غيرهُ)).
في تونس - فلم يجد له من ثم مندوحة عن السفر إلى تونس نزولاً على إرادة الباي ولا سيما أن أحد أقطاب الباب العالي حبب إليه الإقامة فيها دون الآستانة، فشدّ الرحيل إليها وأكرم الباي مثواه وولاه أسمى منصب لديه وعهد إليه في تحرير جريدة الرائد التونسي وهي الجريدة الرسمية لحكومة تونس إلى اليوم.
وكانت ذكرى وفاة شقيقه أسعد في الظروف التي ألمعنا إليها في ما تقدم لا تزال راسخة في ذهنه تؤلمه وتقض مضجعه فسولت له نفسه اعتناق الإسلام وسمي أحمد فارس. وصرف في تونس مدة كان فيها قبلة الأنظار ومرمى الأبصار وموضع الإعجاب و الاحترام وذاعت شهرته في الأقطار العربية والإسلامية شرقاً وغرباً، وسمع السلطان عبد المجيد بعلمه وأدبه وسعة اطلاعه وسمو أخلاقه فطلبته الصدارة العظمى من باي تونس وشق على الباي ذلك ولكنه رأى أن النزول على رغبة الخليفة أمر لا مناص له منه فسمح لفارس بالرحيل وغادر هذا تونس إلى الآستانة فرحب به أقطاب الدولة وعظماؤها ورجال الفضل و الأدب في عاصمتها وقضى هناك عدة سنين في تصحيح مطبوعات الحكومة وسواها في المطبعة العامرة حيث كان المرجع الأخير في كل أمر من أكورها الهامة. وظفر بعطف السلطان والتفاته السامي فأنعم عليه بالرتب والأوسمة العالية الشأن ونسجت الحكومات الأوربية على منواله فأغدقت عليه أوسمتها واختصه الملوك والأمراء برعاية خاصة وخاطبه عظماء العالم وأقطابه وكبار علمائه ونعتوه بأحسن النعوت وأجل الأوصاف، وبالإجمال قد أحرز وهو في القسطنطينية من المكانة السامية و النفوذ السياسي والأدبي ما
¥