تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

انتهى مع بعض حذف). و الظاهر أن الإمام السيوطي لم يقصد استقصاء هذا النوع فإن ما ذكره قليل جداً بالنسبة إلى سعة اللغة العربية وكثرة قبائل العرب، حتى لو كان في اللغة قدر ما أورده ألف مرة لما شانها، ولا سيما إذا تأملت أنه قد مضى دهر طويل على العرب من قبل أن عرفوا الكتابة و القراءة، ولهذا وقع الاختلاف في رواية أشعارهم. أما ما وقع في شعرهم من الضرورات فأعظم أسبابها عندي هو أن إنشادهم للشعر كان في الغالب ارتجالاً. [الجوائب، العدد 341].

وكيفما كان من أصل هذه الضرورات الشعرية فلا ينبغي للناظم أن يكثر منها فإنها تفسد شعره، كما أشار إليه ابن نباتة المصري سلطان المتأدبين. بل ينبغي له أن يتجنبها غاية ما يكون ولا سيما القبيح منها. وذلك كتخفيف المشدد، وتشديد المخفف، وفك الإدغام، وتذكير المؤنث، وتأنيث المذكر، وتحريك الساكن، وتسكين المتحرك، وغير ذلك مما تقرر في بابه وعرف أصحابه. فارتكاب مثل ذلك دليل على قصر باع الناظم في العربية لا محالة فغاية ما يقال في شعر بأنه شعر فاسد. واعلم هنا أن الغلط على نوعين: غلط جهل وهو ظاهر، وغلط سهو وهو أن يذهب وهم الناظم إلى لفظة مكان لفظة تقاربها، كقول بعضهم ((مرابض الخيل)) في ((مرابط الخيل)). فهذا النوع مصفوح عنه للشاعر البليغ فأما لغير البليغ فلا. والآن قد انتهينا إلى ذكر أغلاط رزق الله حسون في كتاب النفثات وهي من النوع الأول. ولكن ينبغي أن نمر عليها مراً خفيفاً فإنها لكثرتها تقضي بمدة طويلة ولا سيما إذا أردنا تعليلها. ولسنا نريد أن نضيع الوقت في مثل هذا العمل الخبيث وإنما المقصود بيان جهل هذا المدعي بالعربية، وإشعار الناس بأن معارضته للقرآن الشريف مع هذا الجهل أقوى دليل على أنه مجنون. فمن ذلك قوله في أول صفحة ((إلى ذي الهمة العلياء)) وصوابها القصر لأن الممدودة اسم بمعنى المكان العالي و المقصور نعت تأنيث أعلى. ومن ذلك قوله في صفحة 5 و ((جدائل جري)) و الصواب وجداول. فإن الجدائل جمع جديلة وهي بمعنى الشاكلة و القبيلة. وقوله: لم يكلبها مخلبي عدى كلب بنفسه وهو خطأ. وقوله في صفحة 6 و ((الهرج)) حركها لتكون سجعة لنسج وهي ساكنة. وقوله: ((قف تسمع كلامي المفتهم)) ضبط ((قف)) بالفتح وهو بالكسر كما تقول ((غد)). وضبط ((المفتهم)) بفتح ((التاء)) ولم يرد في اللغة المفتهم بمعنى فهم. وقوله في صفحة 7 ((بالصوت الشجي)) يعني المطرب وهي لفظة عامية. فإن الشجي في اللغة معناه الحزين. وقوله: تصعيد أنفاسه من أصعد و الصواب مصعد بالتنقل. وقوله: ((شخصت باهتة)) وهو أيضاً من كلام العامة و الصواب مبهوتة، نص عليه في القاموس. وقوله في صفحة 8: ((وترى فوق الكلاء البهما)) ضبط البهما بضمتين وصوابه البهم بفتح فسكون وإذا حرك لكان حرف الحق قيل أبهم على وزن قمر وقوله: ((الكلا)) ممدوداً غلط فإنها مقصورة على وزان الملأ. وقوله: ((مشغف القلب)) من أشغف و الصواب مشغوف. وقوله في صفحة 9: ((الكبير الموسيقي)) وصوابه الموسيقوي كما تقول عيسوي وموسوي. وقوله: و ((الكل مجتهد أعمال آلته)) والصواب في أعمال آلته. وقوله قبلها الطبب: لا معنى له، وكذا الديب محركة لا معنى له هنا،فإن معناه في اللغة الزغب.وقوله: ((ما دام لسنا قعوداً)) وهو تركيب فاسد و الصواب ما دمنا غي قاعدين. وقوله (واقعد إلى جنب)) محركة و الصواب تسكينها وقوله: ((النؤب)) صوابه بغير همز.وقوله: ((هيا إذا نهق الأتان يسكتهم)) لا يستقيم الوزن إلا بمد الآتان وهي غير ممدودة. وقوله في صفحة 10 (أتيت الأهل بالرحب) ضبطها بفتح ((الراء)) و ((الحاء)) وهي بالضم و السكون وقوله ((وكلما احتيج)) و الصواب وكل ما احتيج إليه. ومثل هذا الحذف لا يجوز إلا مع أن وقوله: (عذب) محركة وهي مسكنة وقوله: (على يديكم) و الصواب على أيديكم. وأغرب من ذلك أنه ضبط الصل، وهو اسمه، في عدة مواضع بالضم وهو بالكسر فأغرب بمن يجهل اسمه. وقوله: ((ودنيا معاً)) و الصواب دنوا. وقس على ذلك سائر كلامه. فقد جمع جميع أنواع الغلط كما جمعت طباعه جميع أنواع الرذائل. أما قوله: إن ((إن)) تنصب الجزئين و استشهاده على ذلك بقول امرء القيس: إذا جن جنح الليل فلتأت ولتكن خطاك خفافاً إن حراسنا أسداً. فرواية صاحب القاموس وابن هشام إذا اسود جنح الليل لكن رزق الله اختار الجنون وعبارة ابن هشام في المغني إن المكسورة المشددة على وجهين أحدهما أن تكون حرف توكيد ينصب الاسم ويرفع الخبر. قيل وقد تنصبهما في لغة كقوله: إذا اسود جنح الليل (البيت). وفي الحديث أن قعر جهنم سبعين خريفاً وخرج البيت على الحالية وأن الخبر محذوف أي تلقاهم و الحديث على أن القعر مصدر قعرت البئر إذا بلغت قعرها وسبعين ظرف أي أن بلوغ قعرها يكون في سبعين عاماً، إلخ. فأنت ترى أنها مسألة خلافية فلا يقاس عليها قول رزق الله في صفحة 8: إن للألحان تأثير السرور مبدياً في كل نفس أثراً. فإن ((تأثير)) اسم إن و ((للألحان)) متعلق بخبرها. كما تقول إن في الدار زيداً. و ((مبدياً)) حال.

وأما إصرار رزق الله على وجوب مسألة مبحوثة عنها فعلماء العربية بحمد الله كثيرون في جميع الأمصار فهم يتكلمون فيها. أما نحن فلم يبق لنا كلام مع هذا السفيه لأنه لا يخشى الله ولا يستحي من الناس. وحسبك أنه يتحدى القرآن ويفتخر بأنه انتصر على الدولة العلية بفراره من سجنها. فإذا سبنا أو شتمنا قابلناه بقول الشاعر:

ولقد أمر على اللئيم يسبني فأعف ثم أقول لا يعنيني

وما كان لضفدع ينق على شاطئ التامس أن يكدر عيش أحد في دار الخلافة فنقيقه إنما يعود وبالاً عليه: وسيعلم الظالمون (أَىَّ مُنقَلًبٍ ينَقَلِبُونَ)

[سورة الشعراء رقم 26 الآية 227. [الجوائب، العدد 342].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير