تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويخرج عن المصدر ما وُصف به منه، وعن الوصف ما غلب على الذات وكلاهما في الشاهد العدل وقس عليه. و السبب الظاهر. ويخرج عن الفعل ما صيغ منه للمجهول لأنه قد اجتزأ بالنائب عن الفاعل. ويلحق به اسم المفعول لأنهما من جهةٍ واحدة وقد تقدَّمت الإشارة إلى إخراج كليهما هذا في ما يناسب ما نحن فيه فتأمل. والله أعلم بالصواب.

وأما النصوص التي أوردها دلائل على صحة دعواه فلا تغني عنه شيئاً بل إنما تؤذن بصحة كلامي وليست أول مرَّة فعلها. لأن عبارة الحديث: ((صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل) لا تنفي إطلاق المرابض على سائر الدابة إلا كما تنفي القيام عن عمروٍ مثلاً بقولك: قام زيدٌ. لأن إثبات الحكم لواحد لا ينتج منه نفيه عن غيره كما لا يخفى. على أن الأعطان لا تختص بالإبل كما صرَّحت كتب اللغة. قال في القاموس: العَطَن محرَّكة وطن الإبل ومبركها حول الحوض ومربض الغنم حول الماء ((ج)) أعطان كالمعطن ((ج)) معاطن. وفي الصحاح قال ابن السكيت: وكذلك تقول هذا عَطَن الغنم ومعطنها لمربضها حول الماء. وفي المصباح: وعطن الغنم ومعطنها أيضاً مربضها حول الماء. اهـ وبهذا كفاية.

وكذلك ما جاء في العباب و لسان العرب و الصحاح من قولهم: ((المرابض للغنم كالمعاطن للإبل)) فإنه جار مجرى عبارة الحديث فلا ينتج منه ما أراده. ولعلّ الذي أوهمه التخصيص قولهم: ((كالمعاطن للإبل)) مع اعتقاده أنها خاصّة بها ففهم أن المراد أن المرابض خاصّة بالغنم كما أ، المعاطن خاصّة بالإبل. وعلى فرض صحّة هذا التأويل فقد علمت أن المعاطن تتناول غير الإبل، فأين التخصيص. على أن المراد من هذا التعريف أنه كما تُستعمل المعاطن لأوطان الإبل ومباركها حوا الحياض، تُستعمل المرابض للغنم بمعناها أي لمواضعها في المآوي وحول الماء.

وذلك من اصطلاحاتهم في كتب اللغة يقصدون به الهرب من التطويل غالباً بذكر التعريف بتمامه ولهم في مثل هذا شيءٌ كثير. منه ما مرّ في هذا التعريف. ومنه اقتصارهم على ذكر واحدٍ من الأمثال كقولهم: ((المرابض للغنم وهي تتناول غيرها))،وإنما ذكروا واحداً من جماعة هي سواءٌ في ذلك الحكم إذ لا يسعهم تعديدها بأفرادها كما لا يخفى. ومنها الوزن فإنهم قلما يصرّحون به إنما يقولون مثلاً: الكَرْنب كَسمنْد، بذكر ما يوازنه فقط وما أشبه ذلك. وعلى ذلك جروا في تعريف الربوض وربض.

قال فيالصحاح: وربوض الغنم و البقر و المعزى و الفرس و الكلب مثل بروك الإبل وجثوم الطير. وفي القاموس: ربضت الشاة كبركت في الإبل. وفي المصباح: ربضت الدابّة وهو مثل بروك الإبل. انتهى. مع تصرّفٍ في الأخيرين. فكان ينبغي أن يحكم بالتخصيص هنا أيضاً لأنه لا فرق بين التعريفين. فما أدري من أين جاءت هذه الضدّية.

وأما اتفاق النصوص على صورةٍ واحدة حيث قيل في الكل مرابض الغنم، فكثيراً ما وقع لهم ذلك وتابعوا بعضهم بعضاً في التعريف حتى جاء واحداً كما يشهد الاستقراء. فيُظنّ و الحالة هذه أن الاستعمال مقصورٌ على تلك الصورة. مثال ذلك قول صاحب الصحاح: غَلَت القِدر تغلي غلياً وغلياناً. وجاءَ في القاموس: غَلَت القدر تغلي غلياً وغلياناً. وفي المصباح: غلت القدر غلياً وغلياناً. فلم يذكر أحداٌ منهم غير القِدر في هذا المعنى ولا أطلق استعمال الفعل فكان ذلك يوهم التقييد. وليس كذلك فقد ورد في القاموس: جاش البحر والقِدر وغيرهما يجيش جيشاً وجيوشاً وجَيشاناً: غَلَى. فترى أنه أطلق الغليان هنا مع أنه قيّده في موضعه. وقس عليه كثيراً من الموادّ.

وبقي هنا مما استشهدَ به عبارة صاحب القاموس وهي تصرّح ببطلان دعواه.

قال: ((ربضت الشاة تربض ربضاً وربضة وربوضاً وربضة حسنة بالكسر كبركت في الإبل. ومواضعها مرابض)) انتهى. فقوله ومواضعها مرابض يعني به مواضع الشاة التي ذكرها لأن الضمير راجعٌ إليها. وقد مرّ تفسير الشاة في الردّ السابق من عبارة صاحب القاموس عينه حيث يصرّح بأنها تتناول جماعةً كثيرة من أنواع الدابّة عدّدتها هناك فلا حاجة إلى تكرارها. فتعيّن هنا أن المرابض غير خاصّةٍ بالغنم وأنها تتناوله الفعل من غير تمييز كما يفيد نصّ العبارة فتأمّله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير